وعلى ذلك فإن المال هو سلاح ذو حدين يمكن أن يكون نعمة لصاحبه إن أحسن التصرف فيه أو أن يكون نقمة لمن أساء إستخدامه وكان جل تفكيره في هذه هو جمع المال .. والقصص والروايات كثيرة عمن فقدوا أموالهم وفقدوا معها صحتهم وعقولهم وسمعتهم.. أذكر إنني شاهدت في أحد الأيام شخص في عقده الرابع ولكنه كان يبدو وكأنما في عقده الثامن وكان هذا الشخص يسير في أحد الشوارع حافي القدمين ويرتدي ملابس رثة ممزقة ويقوم بجمع بقايا الطعام من داخل حاويات النفايات ليتناولها كوجبة غذائية – وكان يسير في الشوارع تائهاً مشرداً يحادث نفسه بلغة الملايين وكان يكرر – (عشرين مليون ..لا .. لا أربعين مليون بيع بخمسين مليون )!! وحينما سألت عن سر هذا الشخص قيل لي أنه كان في يوم من الأيام صاحب ثروة ومال وقصور ولكنه خسر كل أمواله فجأة إثر إستثماره في مشروع كبير ومعروف – وتم الحجز على كل ممتلكاته وأصبح اليوم يتخذ من الأرصفة وحدائق البلدية وأسفل الجسور سكناً له.. وبالتالي لم يخسر ماله وحسب بل فقد عقله وأسرته والمحيطين به أيضاً !! وقصة أخرى معروفة للجميع حدثت أبان إنهيار سوق الأسهم حيث تجمع المارة في أحد شوارع جدة حول شخص كان يسير عارياً ويتحدث بعبارات مالية وقاموا بالسيطرة عليه ثم تغطيته برداء أحدهم ثم قاموا بتسليمه للسلطات المعنية بمثل هذه الأمور ليتضح فيما بعد أنه خسر كل أمواله في سوق الأسهم !!
لذلك فإن المال يصبح نعمة حينما يقوم صاحبه بإستثماره في الوجه الصحيح مثل إنفاقه في أعمال الخير ومساعدة المحتاجين فبالإضافة إلى الأجر والثواب الذي سيناله صاحب هذه الثروة فإنه يسعد في دنياه كما أسعد غيره وحينما يتعرض لكبوة ما وما أكثر كبوات هذه الحياة سيلتف الناس من حوله ويسعون للتخفيف عنه سواءً بمحاولة تعويضه مادياً ومواساته من لوعاته .. أما أولئك الذين يمتصون دماء غيرهم ويكنزون المال والذهب وكل المعادن النفيسة ولايعرفون في حياتهم سوى لغة المال فإنهم حين يتعرضون لأقل الكبوات فإن الجميع ينصرفون عنهم ولايجدون حتى من يواسيهم في ذلك ..
سأورد هنا قصة حقيقية تتعلق بالمال وتبعاته .. إذ يقال بأن أحد الفقراء كان حريصاً على حضور مناسبات الأثرياء وكان يحسدهم على ماهم فيه من ثراء وسعادة – وكانوا هم حريصون على حضور هذا الشخص الفقير كونه (خفيف دم) يملأ مجالسهم ب(فرفشة وضحك) وفي إحدى الجلسات أفصح هذا الشخص المعدم للجميع عن أمنيته بأن يكون مثلهم تماماً – ولم يكمل حديثه إلا وإنهالت عليه التبرعات المالية من الحضور لتصل جملة التبرعات التي حصل عليها إلى مليون ريال – كل ذلك والرجل بين مصدق وغير مصدق لما يرى ويسمع فلقد ولج خانة أصحاب الملايين في تلك الليلة السعيدة – ثم حمل الرجل حقيبة المليون وخرج مسرعاً ينتابه شعور من الفرح الكبير ..ثم فجأة تغير الحال ليشعر بالخوف والتردد وساورته الشكوك بأن لصوصاً يتابعونه بغرض سرقة المال – فهداه تفكيره بالسير من طرق ملتوية حتى يراوغ اللصوص ويهرب منهم .. وحينما وصل إلى منزله إنشغل بالتفكير طويلاً في كيفية إستثمار هذا المليون في مشروعات ناجحة ولم يتمكن من النوم أو الراحة في ذلك اليوم منشغلاً بين تفكير في نوعية المشروعات وبين خوف من سرقة المبلغ – تارة يخفي الحقيبة بداخل دولاب وتارة أخرى يخفيها أسفل السرير وخزان المياه وكل انحاء المنزل – وفي مساء اليوم الثاني
ذهب الرجل وهو بحالة إرهاق وتعب شديدين إلى مناسبة تجمع الأثرياء وأعاد إليهم المال كاملاً غير منقوص قائلاً (خذوا مالكم فالفقر أفضل ألف مرة من الثراء) وهكذا فإن الثروة الحقيقية التي وهبها الله لنا هي الصحة والعافية وليس المال والثروة !![/JUSTIFY]