صحيفة مكة – مكة المكرمة
أوضح إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم أن ليالي رمضان تعد ليال تصفية وتجلية ، ليالي طرح هموم الدنيا ، ليالي القرآن وما أدراكم مالقران ؟! إنه كلام ربنا جل وعلا فيه نبأ ماقبلنا وخبر ما بعدنا وفصل مابيننا هو الحق ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ،ومن ابتغى العزة من غيره أذله الله ،لقد قرئ كلام الله جل وعلا على الملأ في قيام شهر رمضان المبارك فمُلئت أسماعهم بالإيمان والعظات والعبر بعد أن تدبروا آيات الله في الأمم السالفة وقد خلت من قبلهم المثلات ، وما جعله الله جزاء في الدنيا والأخرى لمن أطاعه وما جعله جزاء لمن عصاه . لافتا النظر إلى أن أقصر الأوقات انقضاء هو العمر و إن طال ، وأكثر الأشياء تقاربا هو الزمن تمر فيه الأيام مر السحاب ، يغشي الله فيها الليل النهار يطلبه حثيثا ويأبى الله إلا أن يكون لكل شيء زوال وانتهاء إلا نعيمه المقيم .
وقال في خطبة الجمعة اليوم: بالأمس كانت ألسنتنا تلهج تباشرا بقدوم شهر رمضان وماهي إلا لحظات مرت مرور الريح المرسلة فكأن شيئا لم يكن إذ انقضى وها نحن اليوم تخنق حلوقنا عبرة فراقه وتسيل على خدودنا دموع تصرمه لقد عشنا شهرا مباركا مليئا بالسكينة والطمأنينة شهرا سمت فيه نفوس المؤمنين وارتقت بصيامها وصلاتها وتلاوة كتاب ربها إلى معالي الأنس بالله والقرب منه ما جعلها تتمنى أن لو كانت السنة كلها رمضان وأنّى لها ذلك !.
وأضاف : إن شجرة شهر رمضان المثمرة قد تساقط جل أوراقها بعد أن عصفت بها ريح الزمن وإن كان ثمة خطيئة فيما مضى فيه من تفريط العبد فإن أعظم منه خطيئة إصراره على التفريط في قابل الأيام, وتساءل فضيلته قائلاً : إن لم تكن ممن اتعظ بالقرآن في رمضان فبأي شيئ ستتعظ ؟ إن لم تكن نهلت من مدرسة رمضان فمن أي المدارس ستنهل إن لم تكن ممن تصدق في رمضان فمتى بعد ستتصدق؟ .
وأبان الشيخ الشريم أن مِن أشقى الناس من ضيّع على نفسه باب الريان وما أشقى ممن شمله تأمين النبي صلى الله عليه وسلم حين قال له جبريل عليه السلام ” ورغم أنف إمرئ أدركه رمضان فلم يغفر له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : آمين آمين آمين”, مبينا أن الشهر الفضيل قد آذن بالوداع وأن ما بقي منه فسيمر كطرفة عين أو لمح بصر ، وأن ما بقي من الشهر هو المضمار وفي ختامه السبق والجائزة الجنة وإنما تزداد الجياد سرعة في النهايات والعبد الموفق هو من أدرك أن حسن النهاية يطمس تقصير البداية وما يدريك لعل بركة العمل مخبأة في آخره فإن الأعمال بالخواتيم.
وذكّر فضيلته بمصير الإنسان وأن ما بينه وبين الجنة والنار إلا أن يحل به أجله وأن غاية تنقصها هذه اللحظة لجديرة بقصر الحياة مهما طالت ؛ فرحم الله عبداً قدم توبته وغالب شهوته فإن أجله مستور عنه وأمله خادع له وما بين الأجل والأمل إلا شيطان يزين له الإثم ليركبه ويمنّيه التوبة فيسوفها يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى قرب حلول العيد المبارك بعد إكمال العدة وهو فسحة من الله شرع فيه الفرح والسرور الذي لا يغضبه، الفرح الذي لا يورث البطر لأن الله جل شأنه قد ذم من أورثه الفرح هذه الحال فقال جل شأنه : (إن الله لايحب الفرحين ) فالمؤمن الصادق إذا فرح فإنما يفرح فرح الأقوياء الأتقياء لايبغي بفرحه ولا يزيغ فإن الفرح بما يسخط الله إن كان ممن أدى حق الله في رمضان، فما هذا فعل الشاكرين وإن كان ممن قصر في رمضان فما هذا فعل الخائفين .
وقال فضيلته ” إن رحى الأيام والحروب دارت على إخوان لكم في الدين بقسوة ربما تنسيهم فرحة العيد وبهجته . إذ أي عيد سيفرحون به وهم لايجدون من يكسوهم ؟ وأي عيد سيفرحون به وهم لايجدون من يطعمهم ؟ وأي عيد سيفرحون به وفيهم أيتام لم تمسح رؤوسهم بيد حانية ؟ وثكالى لم يكفكف دموعهن نفس مواسية ؟ إنه درس مأخوذ من صميم الحياة ولباب الواقع المتكرر في أن يتصور المرء لو أن ذريته ضعيفة مكسورة الجناح نهشتهم أفاعي البشر حتى افترشوا الأرض والتحفوا السماء ! ألا فكونوا معهم عباد الله بمالكم وعاطفتكم ودعائكم (فالراحمون يرحمهم الرحمن ),.
وأوضح الشيخ سعود الشريم أن الله قد فرض على المسلمين صدقة الفطر طهرة للصوم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين وهي صاع من طعام أو بر أو إقط أو تمر أو زبيب أو شعير أو غيرها مما يطعمه الناس على الذكر والأنثى والحر والعبد والصغير والكبير من المسلمين وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤديها قبل خروجه لصلاة العيد وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم جميعا يؤدونها قبل العيد بيوم أو يومين .