المحلية

وزير الشؤون الإسلامية : لا بد أن يكون القرار في أمر الدعوة إلى الله تعالى صادراً عن جمع كبير من العلماء

(مكة) – الخرطوم

أكد معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ أن القضية الكبرى في الدعوة والدعاة وفي مسيرة الحراك الإسلامي كله هي القرب من المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالاتباع ونيل الشرف باتباع سنته وهديه ـ عليه الصلاة والسلام ـ, مشدداً على أهمية العلم في مسيرة الدعوة إلى الله جل وعلا.

جاء ذلك خلال المحاضرة التي نظَّمها مجمع الفقه الإسلامي بالتعاون مع المجلس الأعلى للدعوة والإرشاد بولاية الخرطوم بجمهورية السودان، لمعالي وزير الشؤون الإسلامية, بعنوان: “تأملات في الدعوة الإسلامية المعاصرة” الأحد 4/ شعبان 1438هـ، بقاعة الصداقة بالعاصمة السودانية الخرطوم.

وقال معاليه: “إن أعظم منَّة منَّ الله به علينا هي بعثة محمد بن عبدالله الهاشمي القرشي ـ عليه الصلاة والسلام ـ سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا، منَّ الله به علينا إذ بعثه رسولاً فينا، فالعرب كانوا ضعفاء العلم والعقل والإدراك، وضعفاء الفهم لما يجري في الدنيا، فجاء الله بهذا القرآن ليجعل لهم ذكراً، ويحيي لهم مجداً، ويبني لهم تاريخاً، قال ـ جل وعلا ـ: {لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون} وفي أقل من ثلاثين عاماً تحوَّل هؤلاء العرب في بيوت الطين إلى أن تناولوا قصور فارس وحدود الروم, لأن قلوبهم استوعبت القرآن عقيدة، ومنهجاً، وسلوكاً ، وهدياً ، وأخلاقاً.

وأضاف أن تاريخ الأمة الإسلامية بُني على تلك النواة الصالحة التي أثمرت شجرة تاريخ الإسلام حيث كان ما جاء بعدها من فضل للدولة الأموية، والعباسية، وما بعدها من الدول كان نتيجة الغرس الأول فمن مستقل ومن مستكثر، ثم جاء العصر الحديث بمحاسنه وسيئاته، وبقربه من الحق ، وبعده عنه جاء العصر الحديث في نحو الـ300 سنة الماضية وجاءت أنواع من الصوارف لهذه الأمة عن مجدها وقوتها وإبعادها عن حقيقة اتباعها للقرآن وللسنة النبوية المطهرة، وجاء الاستعمار والاستعمار في بعده الفكري والعقلي صَرَفَ الأمة عن مصدر قوتها وأصل عزتها إلى أنحاء شتى فتفرقت وضعُفت، وكان ما كان.

وأردف معاليه قائلا : تَنَادى المخلصون في المائة سنة الأخيرة بخصوصها في أنحاء كبيرة من العالم الإسلامي إلى القيام بواجبهم في وراثة النبوة يتقدمهم العلماء الربانيون الذين حمَلوا الكتاب خير حَمْل، وحمَلوا السنة خير اقتداء، وتأسوا بالماضين، وفهموا كلام العلماء الربانيين، تفهموا ذلك وتواردوا إلى النهضة بالأمة في عقيدتها ، وتعليمها، وخلقها ، وسلوكها ، وفي استقلالها بالاتباع للرعيل الأول الذين شهد لهم الله ـ جل وعلا ـ بفضله، قال تعالى: {محمدٌ رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجدا} والشعور بالمسؤولية يُنتج حراكاً، والشعور بالخوف من الآخرة يُنتج عملاً فعمل الإنسان يتبَع إرادته، والإرادة تتبع المحبة، فمن أحب شيئاً أراد طريقه ، ومن أراد طريقَ ما أحبَّ عمل له بجد واجتهاد.

وتابع معاليه : جاءت مدراس دعوية كثيرة في العالم الإسلامي من شرقه من إندونيسيا إلى غربه إلى المغرب العربي إلى غرب أفريقيا، مدراس دعوية متنوعة مختلفة نوعاً، كلٌّ يريد الوصول إلى إعادة الأمة إلى ربها ـ جل وعلا ـ وإلى دينها، ونبيها ـ صلى الله عليه وسلم ـ، مبينا أنه لا غرابة في أن تكون هناك هذه المدارس الدعوية, لأن الحريق كان كبيراً وفي كل مكان، وإزالة الإيمان عن النفوس كان قوياً والإلحاد بالله ـ جل وعلا ـــ بعدم الإيمان به، ومهاجمة القرآن والسنة، ونزع الأمة من تاريخها كان شرساً قوياً عنيفا، والحريق إذا انتشر لابد من إطفائه بين مقل ومستكثر. وأكد معالي الشيخ صالح آل الشيخ أن أول واجب في معالم الدعوة الإسلامية هو أن يكون هناك شعور راسخ بشعائر الله ـ جل وعلا ـ والشعائر التي جاء ذكرها في آية سورة الحج: { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} قال العلماء: الشعائر: جمع شعيرة، وهي: كل ما أشعر الله ــ جل وعلا ــ أو رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتعظيمه أو الأخذ به أو اتباعه في الأمكنة والأزمنة والأوامر والنواهي بعمومها، ومن أعظم ما أشعر الله بتعظيمه الدعوة إلى الله ـ تعالى ـ، قال تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس} أي: كنتم يا أمة محمد للناس خير أمة أخرجت، فهذه الأمة بأمرها بالمعروف، ونهيها عن المنكر، ودعوتها إلى الله تمارس هذه الخيرية والفضل للناس.

وأضاف “جَعَل الله ـ تعالى ـ الداعين إليه خير الناس كلمةً وقولا، قال تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً} فالدعوة هي مهمة الرسل ـ عليهم صلوات الله وسلامه ـ كما قال ــ تعالى ــ في سورة الدعوة التي هي سورة يوسف ـ عليه السلام ـ: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} أي: أدعو إلى تعظيم العباد لربهم ــ جل وعلا ــ وعلمهم به ومعرفتهم لحقه ــ سبحانه ــ على بصيرة، والبصيرة هي: العلم النافع؛ لأنها بصر القلب، فالعين بصرها بالرؤية، والقلب بصره ببصيرته بالعلم والهدى، لذلك كان من أهم وأعظم ما يكون به طريق الدعوة إلى الله ـ تعالى ـ العلم, فلا غرابة إذًا أن يأمر الله نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يزداد من العلم قال ــ جل وعلا ــ آمرا نبيه: {وقل رب زدني علما} فلم يأمره أن يطلب الاستزادة من شيء إلا من العلم، وأعظم العلم هو ما أمر به ـــ جل وعلا ـــ في قوله: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} وقال ــ جل وعلا ـــ في سورة آل عمران: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم *إن الدين عند الله الإسلام} وفي القراءة الأخرى: (أنَّ الدين عند الله الإسلام) يعني: شهدوا جميعاً أن الدين عند الله الإسلام، هذه هي القضية الكبرى في الدعوة والدعاة وفي مسيرة الحراك الإسلامي كله إنها القرب من المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالاتباع ونيل الشرف باتباع هديه وسنته ـ عليه الصلاة والسلام ـ، والعلم لابد منه في مسيرة الدعوة.

وأوضح معالي وزير الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد أن العلم نوعان ـ في أحد الاعتبارات ـ: فردي وجماعي علم الإنسان, وعلم العالم والفقيه بنفسه, أي بما علم وتفقَّه كلٌّ بحسب ما قدَّر الله ـــ جل وعلا ـــ له، وهذا العلم الفردي نافع، ولكنه يقْصُر عن تناول مشكلات الأمة ومشكلات الناس وإصلاح العباد وتقربيهم من الحق ـ جل وعلا ـ ولذلك كان النوع الثاني ـ وهو العلم الجماعي ـ بمعنى اجتماع العلماء على أمرٍ تدارسًا وتفهمًا والوصول به إلى رشد وسداد، لينطلقوا بعد ذلك إلى الحق والعمل.

وشدد على أهمية اجتماع العلماء وضرورة الشورى، مشيراً إلى أنه مع تعقد الزمان اليوم، وكثرة عناصر المعادلة، وكثرة الكيد من أعداء الإسلام له، لابد أن يكون الرأي، والقول، والقرار صادرًا عن جمع كبير من العلماء في أمر الدعوة إلى الله ــ تعالى ــ لذلك كلما كثر العلماء الذين أخذو العلم بفقهٍ وعمقٍ وأصولٍ ووضوحٍ كانت براءة الذمة ـ في مسألة خطئهم ـ أكبر, لأن المنفرد لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على جلالته وعظمته ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان إذا حزَبه أمرٌ استشار، وأمرَهُ الله ـ عز وجل ـ بذلك، فقال ـ سبحانه ـ: {وشاورهم في الأمر}، وقال: {وأمرُهم شورى بينهم} وأعظم ما تكون الشورى فيما يتعلق بمصير الدعوة إلى الله.

وقال “إن الخط الأول من خطوط إصلاح الحال وتصحيح المسار، أن يُبْتَعَدَ عن رأي الفرد من العلماء ، وأن يُذْهَبَ إلى رأي الجمع الكبير من أهل العلم، وهذا الخط الأول للبصيرة يَتْبَعُهُ نور، وهذا النور هو أن أهل العلم لابد أن يكون بينهم تطاوع، فقد أرسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صحابته الى اليمن ـ كما في الصحيح ـ وهم من سادة العلماء، فقال لهم ـ عليه الصلاة والسلام ـ: “تطاوعَا ولا تختلفا, ويسرا ولا تعسرا, وبشرا ولا تنفرا” وهذا النور العظيم هو نور التطاوع نتيجة العلم، فكلما ازداد العلم لان المرءُ وعلم أنه لن يكون شيء إلا برحمة الخلق بمعنى أن يرحم الخلق، كما وصف الله تعالى نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بقوله: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وقوله: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}.

وأضاف أن الخط الثاني العظيم من خطوط هذه التأملات هو أن التكامل سمة من سمات النجاح بمعنى التكامل بين المختلفين والمتنوعين مع حرص بعضهم على بعض نصيحةً وهداية وإرشادًا، جاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة وفيها قبيلتان من العرب وهما الأوس والخزرج وكان بينهم من التنافس ما يكون ـ عادةً ـ بين أهل البلد الواحد وذوي العطاء والإنتاج الواحد، فآخى بين المهاجرين والأنصار حتى كان في أول الإسلام التوارث بينهم، ومع هذا التآخي العظيم الذي نَزَل فيه قرآنٌ وصار الناس فيه أحبة بأعظم ماتكون الأخوة، وبأعظم ما يكون من حقوقها، اختلف ــ يوما ــ صبي مهاجر وصبي أنصاري فنزع المهاجري فقال: يا للمهاجرين! ونزع الأنصاري فقال: يا للأنصار! فبلغت هذه الدعوة التي هي نخوة بأن كلا يدعو فئته لينتصر على الفئة الأخرى التي آخى الله ـ جل وعلا ـ بينهم، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهم ـــ كما في الحديث الصحيح ــ: “أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!” يعني العصبية.

وتابع معاليه قائلا : إن الخط الثالث من خطوط التأملات هو أن التنوع ـ إذا وقع ـ فإنه لا يُعالج بعصبية, لأن العصبية في الشرع لغير اسم الإسلام واسم الإيمان مذمومة, لأنهما اسمان جامعان، قال تعالى: {هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ـ أي في القرآن ـ لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} فالعلاج يكون بالتواصي بالحق والتناصح والصبر؛ لأن من سمة هذه الأمة أنها أمة مباركة بعلمائها وأهل التأثير فيها، والبركة تعني: تعليم الناس الخير، قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ في سورة مريم مخبراً عن قول عيسى ـ عليه السلام ـ في المهد: {وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا} وشكر معالي الشيخ صالح آل الشيخ في بداية محاضرته رئاسة الجمهورية ممثلة في مجمع الفقه الإسلامي، لدعوته لإلقاء المحاضرة، مثمنًا تعاون السودان مع المملكة في جميع المجالات.

يشار إلى أن المحاضرة شهدت حضور الآلاف من العاملين في الحقل الدعوي من علماء، ودعاة، وخطباء، وأئمة، ومرشدين، ومرشدات، حيث اكتظت بهم قاعة الصداقة والطرقات المحيطة بها.

وقدم رئيس المجلس الأعلى للدعوة والإرشاد بولاية الخرطوم الدكتور جابر عويشة في ختام المحاضرة، لمعالي وزير الشؤون الإسلامية درعاً تذكارياً بهذه المناسبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى