منذ عام 2005 دعت السعودية لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب كآلية عملية تساعد في انتظام جهود المملكة الفكرية والإجراءات في التصدي للإرهاب، كما تولت السعودية في 2013 أعمال المؤتمر الدولي لمحاربة الإرهاب بحضور 49 دولة، ثم أسست السعودية والولايات المتحدة مركز استهداف تمويل الإرهاب خلال زيارة الرئيس الأمريكي إلى الرياض بعد فوزه في انتخابات الرئاسة الأمريكية في مايو 2017، وعقد المؤتمر الثاني لحلول القيادة والسيطرة في 18 أكتوبر 2017، ولا تزال السعودية تواصل جهودها في مكافحة الإرهاب لسحب البساط عن الدول الراعية للإرهاب.
لم تتوقف السعودية عند مرحلة مكافحة الإرهاب بل تولت رابطة العالم الإسلامي لتعزيز الأمن والسلام الذي نظمته في العاصمة الكرواتية زغرب تحت رعاية وحضور فخامة السيدة كوليندا وفيتش رئيسة جمهورية كرواتية هدف هذا المؤتمر تجريم كل أساليب الكراهية والعنصرية والتهميش والإقصاء بوصفها جريمة بحق الإنسانية والوطن والفرد والجماعة داعية إلى إنشاء مركز عالمي للتواصل يكون جسرا للتعارف والحوار والتفاهم والتعاون بين مكونات المجتمع الإنساني كافة منطقة من قول الله سبحانه وتعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ومنطلقة من أن نبي هذا الدين أتى رحمة للناس ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).
هي بذلك تحاول نقض أفكار أصحاب العقائد لإقناع الناس بأفكارهم الخاصة وتكوين مجاميع من الشباب أو المتشربين بأفكارهم بعدها يصبحوا أتباعا لهم يقامون التغيير بسبب تمسكهم بأراء صلبة تخالف وسطية الدين بسبب أنهم ينقضون أي شراكة مع الآخر أو بناء تفاهمات معه لأن المتشددين يعتقدون أن الشراكة ما هي إلا تنازل عن الحق وأن من يدعون إلى الشراكة ما هي إلا تماهي مع مواقف مائعة.
وهي ريبة مريضة يرفضها الدين الإسلامي، ودائما ما يرنوا المتشددون إلى دولة الخلافة وهي ليست أصلا من أصول الدين بل هي مرحلة سياسية ضمن مراحل الحكم، رغم أن الدولة محايدة لا دين لها وليست حصن للشريعة وفي نفس الوقت ليست في تضاد مع الدين أو طاردة للمؤمنين بل توفر البيئة الصحية للمؤمنين ولغير المؤمنين يمارسون فيها شعائرهم دون أي تمييز والجميع مواطنون يتساوون في الحقوق والمواطنة.
حيث أن المواطنة المتساوية تتجاوز فكرة أهل الذمة بل أتى مصطلح أهل الذمة في جانب إيجابي وليس في جانب سلبي، ودائما ما خاطب القران ( يا أهل الكتاب ) ( يا أيها الذين أتوا الكتاب ) ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) ( وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) ( ولتجدنهم أقربهم مودة للذين أمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) هي دعوات للتعايش والمواطنة المتساوية.
فمصطلح أهل الذمة معناها العهد أي أن لهم عهد الله ورسوله وعهد جماعة المسلمين أن يعيشوا في ظل الإسلام أمنين مطمئنين وهم بالتعبير الحديث مواطنون وقد أجمع المسلمون منذ العصر الأول إلى اليوم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين إلا من شؤون العقيدة، فإن الإسلام يتركهم وما يدينون، ووثيقة المدينة تؤكد تلك المبادئ، وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( من آذى ذميا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ) ( ومن آذى ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة ).
فالتفات السعودية حول قيم الأخوة الإنسانية التي تلغي الحواجز السلبية وتردم فجواتها ليس تجديد في الخطاب الديني بقدر العودة إلى صحيح الدين من اجل أن تبني الجسور وتسهل الحوار والتفاهم والتعاون المشترك وهي تطبق دعوة الدين الإسلامي بسبب أن الإنسانية تمتلك قيما مشتركة تكفيها لإحلال السلام والوئام في عالم اليوم.
تلك الدعوة مصدر إثراء كبير وشامل تقود إلى وحدة وقوة عالمنا في ذلك التنوع، والدول المتحضرة تفتخر بتنوعها كما كانت عليه الحضارة الإسلامية عبر العصور الماضية، وكانت مصدر إلهام للحضارات الأخرى لهذا التعدد والتنوع، فيما هناك اليوم في العالم الإسلامي جماعات تدعو إلى العزلة وترفض التعايش والتنوع والتعدد وتحاول فرض وصايتها على المجتمعات، ترفض السعودية في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان الاستجابة لها مهما كانت تمتلك من المقومات والدعم من دول لديها أجندات تحققها عبر تلك الجماعات وهو ما يجعلها تتشبث بالبقاء وتدخل في مواجهات مريرة.
لكن الشعوب دخلت مرحلة الوعي بعد الأزمات الطائفية التي ضربت المنطقة، وتسببت في انهيار دول من هذه المشاريع محوري المقاومة والممانعة الذي يتبناه ولاية الفقيه، وتيار الإخوان المسلمين اللذين يريدان تنفيذ مشاريع فارسية وعثمانية بأيدي العرب أنفسهم وهو ما جعلت السعودية كدولة محورية وقائد إسلامي تتولى تفكيك هذين المحورين بالقوة الناعمة عبر مؤسساتها الدينية نفسها بالتعاون مع المؤسسات الدينية لبقية الأديان في العالم.
لذلك تحاول السعودية عبر رابطة العالم الإسلامي تعزيز التعاون بين الأمم والشعوب من أجل عالم أكثر تفاهما وسلاما وأكثر وئاما واندماجا وهي مرحلة نهاية المشاريع المؤدلجة حتى لو كانت تستخدم الدين غطاء لها بسبب أن الرابطة تركز على المبادئ الإنسانية المشتركة وتفعيل برامج الثقافات المتنوعة، ودعت أتباع الأديان عموما إلى جانب مخاطبة الروح والعاطفة كذلك عليها مخاطبة المنطق والواقع ليسهموا بفاعلية في سلام عالمهم ووئام مجتمعاتهم.