المقالات

قياديون خارج خط الزمن

المكان لم يتغير، لم تتغير الجيولوجيا، الطبيعة مثلما هي منذ خلقها الله، لكن الإنسان تغير، وتغير فكره، فقاده إلى إعادة اكتشاف نفسه الحقيقية المطمورة قرابة نصف قرن تحت كثبان كثيفة ثقيلة، حجبت عنه الضوء والهواء، ومنعته من رؤية جماليات الحياة، وتضاريس الأرض، وإبداع الخالق في أرضه. وعندما زالت الأغلال أصبح هذا الإنسان قادرًا على رؤية الأشياء حوله، فخالها أشياء جديدة؛ لأن بصره ارتد إليه، وبصيرته أصبحت قادرة على تمييز ما حوله.

تغير كل ذلك بفضل الله ثم بوجود قادة استشرافيين، أغمضوا أعينهم، وتخيلوا المستقبل، ورأوا الإنجاز الذي يريدون تحقيقه بكلِّ تفاصيله وجماله، بدأوا خطواتهم الأولى والصورة النهائية في أذهانهم، واثقين من إمكانية تحويل الصورة إلى واقع، قادة صنعوا الأمل، وحققوا إنجازات الحاضر، وشيدوا المستقبل لأجيال الغد، قادة نجحوا عبر سنوات قيادتهم في إحداث تحول حقيقي، ونهضة لا مثيل لها في أوطانهم، شملت جميع مجالات الحياة، وزرعوا ثقافة المركز الأول بين مواطنيهم؛ لتصبح دولهم أنموذجًا يحتذى به في تحقيق التقدم والتنمية الشاملة خلال فترة قياسية، وتصبح حكوماتهم من أفضل حكومات العالم وأكثرها نجاحًا، إنهم قادة شعارهم ﴿بصُرْتُ بما لم يبْصُروا به﴾ (طه:96)، إذ صاغوا رؤى لأوطانهم، تقبلها مواطنوهم وأيدوها، فانتقلوا هم وإياهم من زمن التصريحات الإنشائية الفضفاضة إلى زمن الأرقام الدقيقة، ومن زمن التقييم بالعموميات إلى زمن المؤشرات، ومن زمن الخطط إلى زمن المستهدفات، رؤى تؤمن في الأساس بالتغيير، وتضع صورة واضحة للوضع المستقبلي، تظهر فيها قدرة هؤلاء القادة على استشراف المستقبل، والسير نحوه بسرعة البرق؛ بخطى واثقة غير آبهين بالصعاب. هم قادة على قدر عالٍ من المسؤولية لتحمَّل نتائج هذه المجازفة الرائعة، قادة عملوا جاهدين على تحديث العقول لا الأجهزة؛ لأن قوة الفكرة التي يؤمن بها الفرد تنسيه الكثير من الآلام، فيتجاوز بها الصعاب، قادة آمنوا بأنفسهم، وتفاءلوا برؤاهم، فتفاءل بهم مواطنوهم، وحققوا أهدافهم، قادة لم يروا الصحاري عقبة أو مشكلة أو تحديًا ينبغي التغلب عليه، بل اتخذوا منها فرصة لخلق اقتصاد جديد في أوطانهم، فها هو القائد الملهم الأمير محمد بن سلمان مهندس القرارات الجريئة، واضع الرؤية الطموحة، وقائد التغيرات الكبيرة التي ترنو لها أحلامه إلى زمنٍ لاحقٍ، يخطط للمستقبل الزاهر؛ مؤمنًا بأن الخطط ليست وثائق منقوشة على الحجر، بل هي وثائق لتحسين حياة البشر، واعيًا بجسامة التغيير الذي يسير فيه، فكان السير تدريجيًا عبر مشاريع التحول الوطني، إنه الأمير محمد بن سلمان القائد الواثق من نفسه، الذي لم يتقهقر أو يتردَّد في تطبيق الرؤية المستقبلية 2030، فقد أعلن التطبيق الفوري لها؛ وفق مؤشرات أداء دقيقة، وفي ضوء محاسبية عالية، وحوكمة رشيدة لكل مرحلة من مراحل التنفيذ. فها هي مدينة المستقبل والخيال الممكن (ذا لاين) تشهد بروعة هذا القائد الهُمام، وصواب خطواته المدروسة، فقد أنتج بفكره اللامع وبعد نظره الثاقب مدينة بطرازٍ مختلف فريد من نوعه، مدينة معززة بالذكاء الاصطناعي، وخالية من المركبات والازدحام. ولا يقل عنه نظيره الآخر؛ القائد الاستشرافي سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي قفز بدولته (الإمارات العربية المتحدة) نحو الأمام، وسابق بها الزمن، وحقق لها الريادة العالمية، وبنى لها سمعة عالمية مرموقة، فأبدع في جعلها وجهة مفضلة للعيش والعمل والسياحة معًا، ومقصدًا للمواهب والخبرات، وبيتًا للمبدعين؛ من خلال رؤية طموحة ثاقبة (رؤية 2050)، التي تألقت بإنجازات شهد لها العالم في قطاعات جديدة، وذات صبغة مستقبلية، كمشروع استكشاف القمر 2024.

كلا المحمدين- محمد بن سلمان ومحمد بن راشد- قائدان ملهمان في تاريخ البشرية، أعطيا قوة تحفيزية لفريق العمل الذي يحظى بقيادتهما، قائدان مفكران، استشرفا مستقبل دولتيهما بطريقة علمية، تمزج بين الواقع ومتطلباته وبين حدود الخيال الخصب الذي يقبل التحقيق بهمة عالية، ترجمها أمير السعودية وقائدها المبدع في مقولته الأشهر: “همَّتُنا مثل جبل طويق وطموحُنا عنان السماء”… بهذا التحدي القوي والعزيمة الجادة تحدَّث محمد بن سلمان عن همة السعوديين وإرادتهم في السعي نحو وصول مملكتهم الغالية إلى مصاف الدول المتقدمة والمتطورة، وهو ما قاله أيضًا نظيره الآخر سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي وقف يومًا قائلًا : “لا مستحيل أمام دولة الإمارات، ولا قوة تقف أمام إرادة شعبها”، فهما شخصيتان قياديتان، يجمعهما العمل الدؤوب، والإيمان بقوة الفعل وشجاعة المبادرة، ملهمين للجميع بمواصلة الجد والعمل؛ وصولًا للرؤية الطموحة، بالتحليق نحوها لتحقيق المستحيل الممكن الأول أمضى من رحلته خمسة أعوام، والآخر خمسة عشر عامًا، في رحلة عَنْوَنها (المحمدان) بِـ (الكثيرون يتنبؤون بالمستقبل، ونحن نصنعه)، وهنا يكون الفخر والاعتزاز مختلفًا…..

نعم ليشهد التاريخ، على قيادة دولتين ترى العالم في زمن لاحق غير الذي تعيش فيه، وتتقدم فيهما الصفوف بكل ما تصبو إليه من دعم ورعاية واحتضان لكافة المبادرات الهادفة إلى تعزيز المسيرة الوطنية، ورفد ريادتها، جسَّدت إنجازاتهم عنوان النهضة والريادة والطموح الذي لا يعرف المستحيل؛ لتثبت أنَّ الرمال الذهبية -مرةً بعد مرةٍ- هي منابع ولاَّدة للإبداع، ولا محل للمستحيل على أرضها.
هكذا هم القادة العظماء، لهم نظرة مختلفة للأمور، فخلدهم التاريخ في سجل القادة الخارقين.
———————————
باحثة دكتوراة في الإدارة التربوية بجامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. أبدعت عزيزتي أمان《مقال اكثر من رائع استمتعت كثيرا بقراءته》
    وبإذن الله أرى لك المزيد من المقالات في المستقبل القريب
    تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى