المقالات

فارقة زمن

في كل زمنٍ حدثٌ يصنع فارقاً، ويشكل علامة تحوّل، ونقاط تجعل ما بعدها نقيض لما قبلها، وهي ليست كثيرة في أيام الله، وهذا ناموس الكون إذ لا قيمة لما تشابه ولا حضور لما تكرر.
بالنظر لتلك الحقبة وما لدينا من معطيات تاريخية وما وهبه السرد لطالبه نستطيع القول أن عام “١٧٢٧” استطاع استنطاق سابقيه، وإقرار لاحقيه، وشهادة حاضريه بأنه ليس كغيره، وأن ما بعده رهينته وعالة عليه، وهو ما كان.
وعوداً على العلامات الفارقة والأحداث المؤرَخة فإن هذا التاريخ فارقة هذا الزمن لشبه الجزيرة بادئ الرأي ثم فارقته فيمن حولها حتى باتت فارقة في هذا العالم، ولازالت تأخذ مسارها في ذلك التمييز حتى ملكت إقليمياً وعالمياً ما استعصى على غيرها.
البناء والحضارة وتأسيس المجد ورفع راية الإنسان وتحقيق الرؤية الربانية في تشكلات الحياة وما تؤول إليه من إحقاق للحق وردم للباطل ورفع القانون بما يسوسه من عدل ومساواة وما ينتظر ذلك كله من مدنية حقيقية تزهر معها الأرض بالعمارة والدنيا بالحضارة جلية، فانطلقت من حيث انتهى غيرها وتلمست حاجة أهلها فكان الأمن أول تلك المبادئ ومؤداه من شبع بعد جوع وعلم بعد جهل فانتهت رحلة الخرافة في الجزيرة بعد أن تمددت زمناً، وانقطع الخوف فيها بعد أن استطال عمراً، وبات الجوع من حكايا الزمن الغابر.
وبالنظر إلى تلك المنطلقات وتلك النتيجة والمدة الزمنية لذلك النتاج وما يحمله واقع ذلك الزمان من تكالب لوأد ذلك المولود، وقتل ذلك الطموح كان لزاماً أن تنسب الفضل لأهله، وتعلّم الجيل الذي فاته إدراك تلك الحقبة بعضاً من صورها، وما فات إدراكه لا يفوت استدراكه، فالإمام الذي أطلق دولته من تلك البقعة (الدرعية) ينبغي أن يأخذ حقه في التعريف وحقه في التكريم فكان قرار إحياء ذلك التاريخ وربط الحديث بالقديم حقيق بالذكرى مستحق للاحتفاء وهذا ما استدركه خادم الحرمين الشرفين حفظه الله بتخليد ذلك اليوم من خلال تحديد يوم 22 فبراير من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى، الذي يمثل بدء عهد الإمام محمد بن سعود في منتصف عام 1139هـ الموافق لشهر فبراير من عام 1727م.
منذ 22فبراير 1727م وحتى 23 سبتمبر 1932م رحلة سطرتها الكثير من الدماء وكتبها الكثير من الجهد وغلفتها الكثير من التضحيات لنخرج بهذه المحصّلة التي تستحق الشكر وتستوجب الحمد فاستوت على الجودي لنخلص بأن الله خص هذه الأرض بالحرمين ومنطلق الرسالة وأرض النبوة، وخصّ لتلك الخصيصة من أهلها من يقوم على إصلاح معوجّها وجمع شتاتها ورأب صدعها واستجلاء خيرها وقمع شرها وكان ذلك الأمام ومن في عقبه، وها نحن بعد ثلاثة قرون وتحت ظل ملك الحزم لازلنا نعيش ذلك الرأب وننعم بذلك الجمع ونستقبل على يديه أجمل مما استدبرنا وأحسن مما تتركنا، ولعل رؤية 2030 وبادرة الاصلاح المتتالي وعجلة النهضة والتحديث المتسارع ومحاربة الفساد بينك جلية، وعاصفة الحزم التي رسمت قوتنا ونلجم بها عدونا شاهد على ذلك الأجمل .
ختاما… يوم التأسيس يأتي اعتزازاً بتلك الجذور المباركة وإحياء لتلك الذكرى الخالدة وربط الجيل بتلك النقاط الفارقة في تاريخنا المجيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى