المقالات

“جحيم المنتظر”

“لا أتوقع شيئاً من أحد ولا أخاف من أحد … إذاً أنا حر”

أو كما يقول نجيب محفوظ “لا تتوقع شيئاً من أحد وسترى كل شي من حولك بصورة أجمل

هل يعيش “ابراهام لينكون” أو كاتبها أياً كان تلك الفلسفة يقيناً؟

 ربما، ولكن لو كان كذلك لكان مثالاً في السعادة وربما كان أطول عمراً وأكثر ابتسامآ.

هذه القاعدة هي عتبة الرضا التام لأنها تولّد الانقطاع عن المحيط وما فيه والاتكاء المطلق على الذات والانتهاء عما في أيدي الناس إلى ما في أيدينا وتوحيد وجهة الطلب إلى من يملك وهو الله.

حين تنتظر شيئاً تبقى مترقّباً، ولازم الترقّب خروج عن طبيعتك إلى حالة طارئة، كما أن من لازمه كذلك شحذ الهمم ومضاعفة الجهود لتكون صالحاً لاستقبال ما تترقّب، ومادام ما تنتظره في أيدي الناس فأنت بطبيعة الحال ستجد نفسك منساقاً دون قصد لإرضائهم، ولو على حساب نفسك، وهذا كله فلك يدور فيه مزيج من الانكسار والخوف وأزمات الأقدار التي تكون أصابع الاتهام تشير إلى ذاتك في كل إخفاق.

أضف لذلك توق المترقّب لمحاسبة ما يترقبه إما في تأخره أو نقصه أو انعدامه، وهو طريق طويل لا نهاية له، وقد يجد نفسه في سلسلة من التساؤلات قد يكون مصيباً في بعضها ويجانب الصواب في الأغلب.

أزعم أنها مثالية نطقها “لينكون” وجانبت الواقع لحد ما وذلك أن تلك العبارة تعني تبتّل الروح في الروح، وانقطاع الذات عما سواها، وهذا مسلك رغم حسن أخره إلا أنه مفازات متعاقبة وعقبات متراتبة، ومع ذلك يمكن الوصول لبعض ما استُصعب وقليلاً مما ترتّب، وما لا يدرك كله لا يترك جله، وبعض الوصول خير من عدمه، وجميل أن تحظى بـ شرف المحاولة.

الحرية شعور يحرّره يقينك بأن ما هو لك سيكون أحد فصول حياتك، ولا داعي لاستعجاله، فإن الحرمان نهاية التعجّل قبل الأوان، وقل أكثر من ذلك فيما ليس لك.

حين سأل هارون الرشيد “بهلول” المجنون في نهاية ذلك الحوار الطويل: ألك حاجة فاقضيها لك؟

كانت الإجابة حينها سؤالاً

وهو وإن كان سؤالاً إلا أنه مجلّد كبير يشرح فيه الكثير من المعطيات التي بها لن تنتظر شيئاً من أحد ولن تخاف من أحد، وستعيش الحرية بكل صورها، وستنعم بـ السعادة والبهجة، وستملك الكثير من الارتياح الذي قلّما عُرف.

ختاماً…. تنتهي رحلة الخوف متى انتهت رحلة الانتظار، وكيف للخوف أن يتسلل لقلب لا ينتظر.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى