المقالات

نورانية الغضب

“من السهل على الإنسان أن يغضب لكن ما ليس سهلاً هو أن يتوجّه الغضب نحو الشخص المناسب بالدرجة المناسبة وفي الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة“.

تكلمتُ كثيراً عن ذلك النور الذي نستنبطه أو ما ينبغي أن نفعل تجاه كل شيء حكمَتْ عليه الحياة بالسوء، وبعض النور هنا فيما حكاه أرسطو أو ما نظّر من أجله.

لا نختلف في نظرتنا للغضب، ولكن كما تعودنا أن لكل شيء #زاوية_أخرى، ونحن نطلّ منها، أو لنكون أكثر دقة ونحاول أن نطلّ منها، وهي زاوية بيضاء في سواد كالح، وخيريّة تعلمنا البحث عنها في أكثر الصور سوءً.

الغضب شعور يأتي غالباً بلا استئذان، ويطرق عليك حياتك دونما رادع، ونحاول التعقل كثيراً، وربما ننجح مرة ونفشل مرات، وأرسطو هنا لم يأت بحلّ سحري للخروج منه، كما أنه لم يوبّخ الغاضب فيما يفعل، بل يسعى لتوجيه ذلك الغضب بما يجب، وكأنه يقول أن الغضب الذي نعيشه وإن كان حتمياً إلا أنه خرج فاقداً لأهلية التوقيت، وغايته الأصلية، وطريقته المثلى، وعليه فلستَ في حال مجابهته أو ردمه، ولكنك مجبرٌ كعاقل أن تجيّره بالاتجاه الصحيح، وتضيف على ذلك التوجيه تحريّ القصد ومراعاة الهدف.

لو قُدّر لنا أن نراجع بعض مواقف الغضب لوجدناها وفي غالبها إن لم تكن كلها من ذلك القبيل، فأمّا غضب غير مستَحق أو مغضوب عليه غير مستحِق وأمّا أسلوب خرج به من دائرة المعقول إلى غيره، وهذا وتحليله النفسي يفسر بعض الأحداث المؤسفة من شرارة جريمة أتفه من أن تكون سبباً للغضب فضلًا عما هو أكبر، وردود أفعال مستغربة تجعل الحليم حيران.

الكثير الكثير من تلك الأحداث هي تحقيق تام لما حكاه أرسطو من عدم مناسبة الوقت أو الطريقة أو الشخص وهذا ما جعل ثمرته في الغالب تدعو للجنون.

من باب آخر فلا يوجد شرّ محض كما تعلمون، ومن هذا سنجد أن في ذلك الشعور رغم سمعته السيئة وتاريخه الأسود إلا أنه كما يعتبره البعض قوة إيجابية محفزة لكسر الحواجز وتحقق الغايات، وقد يعيد ترتيب بعض العلاقات المضطربة ويصححها، وربما يمدها بعمر أطول، كما أنه ماهر جداً في وقف الهجمات، وإصلاح الكثير من التصرفات التي تطالنا بين الحين والأخر.

ليس غريباً أن يكون الغضب وسيلة لامتداد العلاقة، وتقوية الأواصر، واطالة عمر الصداقات التي يلتهمها الصبر في أحايين كثر، ولذلك فإن الغضبة العمرية في وجه من اعتاد على كلمة (سم) و (نعم) و(أبشر) والتي غالباً لا تدوم، بل تعجّل انقضاء المدة وقتل المودة هي الحل والعلاج وكل ما نحتاج.

(لا)الغاضبة هي بمثابة مراجعة من الطرف الآخر لكل ما يفعل ويقول، وربما إعادة النظر في صاحب (لا) وأنه ليس مجبراً على محاكاتك في كل شيء، ويملك الرفض كما يملك الموافقة سواء بسواء، وبذلك فقط تأخذ تلك العلاقة درجة من الندية المؤهلة لكثير من النضج والذي غالباُ ما تنتج عمراً أطول وأمداً أبعد..

ختاما.. لا تغضب وإن غضبت فاحكم غضبك بحكم أرسطو وفتّش عن زاوية البياض المفقودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى