المقالات

جدة.. وعود وأمطار وسيول جارفة

تتشابه الليالي وتتشابه المواقف وكأن الموقف مجرد اختلاف في التوقيت مع ثبات في المكان فكالمعتاد في بدء موسم الخيرات تحذير مألوف من جهات الاختصاص بأخذ الحيطة والحذر من حدوث أمطار غزيرة داخل العروس _وأي عروس تئن الآم من عقود _ وبطبيعة الحال تتبعها سيول جارفة وتبدأ قصة جمع من ساكني العروس مع المعاناة المتكررة فنسيج هذه القصة أوله برق يلوح في أعلى السماء وسط عواصف رعدية تخطف الأنظار فيدب مباشرةً شيئاً من الظلام داخل البصر، وهنالك صوت رعد قادم يحدث بسرعة متناهية وبعنف متوالي يضرب المسامع فتخفق من حدته دقات القلوب خوفاً وجزعا من هول قوة الصوت فتذكر الألسن في الحال سبحانه وتعالى بالقول الطيب: “سبحان من سبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته”.

ومابين البرق والرعد صاعقة تكمل مشاهد الفزع، وتكمل الأحداث.. أتربة متناثرة هنا وهناك، ورياح شديدة في غاية الخطورة، فتذهب الأذهان بعيداً فتستعيد الذاكرة الماضي القريب من الكبد والوجع، وتطرق فجأة الأبواب من غير طارق عابر أو محب سائل، وتتعالى أصوات رعب التيار الكهربائي عبر أصوات تعيسة من الضيف الرابض داخل المسكن وكأنه رصاصة نار، وتتراقص النوافذ ليس طرباً بل فزعا من المنظر المعروف منذ سنوات مضت لم يتغير شيئاً كثيراً في المشهد المرئي سوى تزايد أو أحياناً تناقص في عدد الخسائر سواء في الأرواح البريئة، أو الممتلكات الخاصة، أو المكتسبات العامة والمقدرات الوطنية.

” يا الله رحمتك.. يا الله رحمتك.. يا الله رحمتك..يا الله.. يا الله.. يا الله أنقذنا يارب..أنقذنا يارب.. أنقذنا يارب مما نحن فيه.. أنقذنا مما نحن فيه يارب العالمين.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا حول ولا قوة إلا بالله…..” أصوات متتالية مرتبكة..وهذا مقطع واحد من مسرح الواقع فيه الكثير من المناشدة للآخرين..فيه الكثير من الهلع.. والمقاطع التعيسة كثيرة وعلى قدر اتساع مآسي المصيبة في هذا الخميس الحزين في عروس البحر الأحمر. وفي هذا المقطع تحديداً حروف الخوف عندما تنطلق ممن شاهد وشهد الحدث بكامل تفاصيله المؤلمة..فهذه الحروف وبكل تأكيد لم يجملها بديع الكلام، ولن يقيدها سلامة المنطق.

حروف الخوف حينما تنطق بعغوية فهي يقيناً من القلب إلي القلب.. فقد كانت الصرخات المسموعة من أقصى منازل الألم، ومن أبعد مراتب الأنين.. وهذا الألم وهذا الأنين كأنه رسالة من قلب يحترق.. من قلب يعشق هذه الأرض الطيبة ليقول: يكفي وعود مشاريع التصريف، ويكفي سوء تنفيذ مشاريع الأنفاق المختنقة، ويكفي الكلمات العابرة، ويكفي الأحاديث الإعلامية فقد تساقطت أحياء، وتضررت منازل، وتعطلت مستشفيات، وأتلفت سيارات، واقتلعت أعمدة، وتعثرت طرق فسيحة، وأصبحت ممارسة السباحة كرهاً داخل الميادين والشوارع بدلاً من السباحة على شواطئ البحار، أما الأرواح فنسأل الله السلامة للجميع. وكلنا يقين وتفاؤل وأمل بأن ماكان لن يكون من العبث والفوضى و لن يكون الحل بعيداً بل في القريب العاجل بإذن الله وهذا المأمول، وليس من المستغرب فهذا ما أصبحنا نعيشه ونلمسه في حياتنا كلها ولله الحمد وفي كل أرجاء الوطن الغالي حفظه الله من كل سوء ومكروه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى