المقالات

مستديرة تجمع ومستديرة تفرّق؟!

مستديرة تجمع ومستديرة تفرق؟!
عبدالرحمن العامري

يُعد الشكل الدائري أحد الأشكال الهندسية الفريدة شكلًا ومضمونًا؛ فهي في كل الثقافات تشير من حيث الشكل إلى الشمس، والأرض، والقمر، وبقية الأجرام السماوية كما أنها تستخدم للإشارة إلى أشياء مألوفة في حياتنا مثل: الإطارات، والكرة بمختلف استخداماتها وأحجامها، وكذلك العديد من الفواكه التي تتميز بشكلها الدائري بالإضافة إلى أنها تشير إلى بعض الطاولات الدائرية التي لا رأس لها أو جوانب، أما إذا نظرنا إلى الدائرة من حيث المضمون فإننا سنجد أنها تشير إلى الكمال والأبدية واللانهاية؟!

وقد استوقفني كثيرًا خلال الأيام الماضية أحد أشكال هذه الدائرة العجيبة؛ وذلك بعد مباراة منتخبنا الوطني لكرة القدم ونظيره الأرجنتيني في تصفيات الجولة الأولى من كأس العالم المقامة حاليًا في دولة قطر الشقيقة؛ حيث أصبحت كرة القدم بشكلها المستدير تجمع العالم قاطبة من المحيط إلى المحيط رغم أنها في مجملها ليست إلا لعبة تنافسية وترويحية لكنها استطاعت في هذا المونديال العربي أن تجمع العرب على قلب رجل واحد من خلال ما شاهدناه من لقطات مبهجة تبرز لنا احتفالات شعوب الدول العربية بفوز منتخبنا الوطني على الأرجنتين، تلك الاحتفالات التي عمَّت الوطن العربي برمته وهذا ليس إلا دلالة واضحة على أن تلك الكرة المستديرة استطاعت أن تصنع مالم تستطع صنعه تلك الطاولة المستديرة؛ حيث اختصرت الكثير من المسافات في العلاقات بين الشعوب العربية، بعد أن غاب خلف تلك الطاولات المستديرة الأخوة الأشقاء وتوارى في ظلها الأخوة الأصدقاء، وأصبح مصطلح الأخوة الأعداء هو المسيطر أو الأكثر ظهورًا فكرًا وعملًا ومنهجًا مع العلم أن المائدة المستديرة في المجال السياسي ترمز إلى مصطلح يدل على أن هذه المفاوضات التي تجري بين الأطراف المعنيّة إنما هي على مستوى متكافئ، دون أن يكون لأحد الأطراف ما يميّزه عن غيره، ويبرز هذا المعنى بصفة خاصة في حالة إجراء المباحثات والمفاوضات بين دولة وأخرى.

وختام القول فإننا إذا ما نظرنا إلى تلك المؤتمرات العربية والإسلامية فإننا سندرك حتمًا أن الأطروحات والنقاشات التي تدار من خلف تلك الطاولات المستديرة صارت أشبه ما تكون بالظواهر الصوتية التي سرعان ما يختفي صداها ويتلاشى، فانعكس ذلك سلبًا على رفاهية وأمن المواطن العربي كونها لا ترتقي بفكره وثقافته. بل أصبحت هذه المستديرة وكأنها ساحات حرب يعارض معظم من يجلس خلفها تبنِّي الشفافية في العمل السياسي، واحتواء الأزمات والتعاون المشترك بين الدول في كافة المجالات، ونسي أو تناسى من يجلس خلف تلك المستديرة أنها يجب أن تكون ساحة للعقلانية التي تذيب كل الخلافات وتقرب وجهات النظر بعيدًا كل البُعد عن الدهاليز المظلمة والصفقات الرخيصة التي تدار من تحت تلك المستديرة فتحولها إلى أوكار تباع وتشترى فيها الذمم والضمائر، وتذهب بالشعوب إلى مستقبل مظلم ومخيف.

وخزة قلم

عندما يتحكم العقل بالأقدام تسجل الأهداف، وعندما تتحكم الأقدام بالعقل يموت الإنصاف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى