عاممنتدى القصة

قراءة في سوانح نقدية، لمؤلفتها د. سميرة الكناني

بقلم د. عبدالرحمن بن علي الغامدي

ومن دار النقد.. تحمل لنا البشرى، سِفْرٌ من الأسفارِ عظيم..

فيه بقيةٌ مما تركته المناهج المعاصرة للنقد، من شذرات رائعة في الحسن..

ومما تركه السرد الأدبي الجميل.. في محطاته المختلفة، ومقاماته الواسعة.

سِفرٌ كله صحائفٌ امتلأت بروايات ليست للقصص والحكايات.

بل هي للثقافة والمعلومات..

ها هي الكنانية تدعونا لأدب جديد يعزف بألحانه

عبر نايات جديدة، بعيدة عن ذلك المألوف المتكرر.

أدب الرواية الجديد الذي يحمل في أحشائه درراً نقدية جديرة بالدراسة والاهتمام.

تشرفت بإهداءٍ جميل من الدكتورة سميرة بنت ضيف الله الكناني الزهراني، وقد تمثل ذلك الإهداء الرقيق في نسخة من

نتاجها الجديد “سوانح نقدية، دراسات وقراءات في الرواية العربية” أحسب أنها قدمت بين دفتي ذلك النتاج عملاً اتقنته بين الدراسة والقراءة.

لست هنا ناقداً ولا محكماً، فليس لمثلي كثير زادٍ ليمتطي صهوة جواد البحث العلمي، وليس هذا بأدب المتعلمين، فلا عطر بعد عروس.

وإن قراءتي لن تضيف لذلك المخزون الأدبي الأرقى شيئاً، ولن ينتقص منه عدم الاطلاع عليها شيئاً ، فالعالي يظل عالياً في كل الأحوال.

يا له من سِفر أمسى حديثاً للرواة . . وأصبح خبراً في أجمل صباح.

دعتنا صاحبة السِفر الكبير لنشهد معها ولادة جمال من ألوان أخرى،

حين أشرقت به خيوط فجر معرفي جديد.

في سِفرها رؤى جديدة غير تقليدية

أحاديث نقدية، كأنها بوصلة الأرض تحمي السائرين من متاهات الطريق.

أشاحت سميرة الكناني غربة القارئ حين توثقت به قيود النمطية القديمة،

غربة القراءة الصحيحة للرواية أيا كانت، ولكن من خلال حديث كله جمال.

سوانح نقدية:

أحسنت تلك السامقة بقرائها، برائعة من إبداعاتها المتكررة،

حين دفعت بهم إلى منتجعات نقدية من خمائل أخرى لا تليق إلا بهم،

فلربما عاد المُزنُ إلى حيضانه مرة أخرى بعد أن كاد قيض الأمية يُزمجر المكان.

هي الدكتورة سميرة التي هتف لها الصباح حين سرت نحو الطموح والنجاح، بنتاجها العلمي الراقي.

ها هي تضرب بعصى الطموح بحار المستحيل النقدي،

فانفلقت أمامها .. فكانت طود اً يعقبه طوداً عالياً

من الشعر والأدب وينابيع الثقافية الأخرى.

يا قوم : تعالوا معي نقف احتراماً لها وتقديراً :

حين تألقت إنسانيتها في بداية عملها ذلك ، وقد تجلى الوفاء في أبهى حلله

بإهدائها كل ذلك التميز إلى الروح الطاهرة، “والدتها الرؤوم”

عليها من ربي الرضا والرضوان والرحمة والغفران.

لعلها بهذا الجود والثراء العاطفي ترضى في مرقدها الطيب بذلك الإهداء الجميل.

ولمن كان سبباً في وجودها على ظهر البسيطة،

والدها المفضال، أطال الله في عمره ومتعها بصحته وتمام عافيته.

سوانح نقدية:

أجادت المؤلفة من خلالها، حين استحدثت لغة للخطاب النقدي جديدةً في معناها،

قويمةً في مبناها، خطابٌ تتحدث من خلاله عن سردية مرنة

في روايات عربية يفهمها أنصاف المتعلمين وما دون ذلك،

يقيناً منها أن الغيث تروم له الأرض المزمجرة، وأرض البساتين.

أشجان سوانحها الجميلة ذات الخطاب الجديد

والرؤية المدهشة فرضت منهجاً جديداً في التأليف والتلقي،

حينما غدت توظف جماليات يراعها في تلك الابداعات النقدية.

وحين الحديث عن البناء النقدي في خطابها الجديد،

فإننا نجد فيه صورة من أدوار ليست متباينة في نظمها،

بل هي متآزرة في دفئها، ليراها الناظر لها لوحة فنية بخمائل رقيقة ذات حُسن وبهاء.

لست هنا مُقيّماً لتلك النصوص بحلتها الجديدة،

فقديماً قيل: الصمت في حرم الجمال جمال،

وليست مداخلتي هنا وصفاً لذلك الجمال، ولا إشعاراً به، ولا

تسويقاً له،

فتلك الأديبة العالية في غنىً عن ذلك كله،

لكنها كلمات أحسبها نابعة من قلب مفتون بالجمال وأدواته

تصف مشاهد روائية غاية في الحسن، ماثلةً للعيان تدفعنا إلى الاستمتاع بقراءتها والتلذذ بها.

سوانح نقدية

وقفت على سفح ذلك الإبداع، فألفيتها:

تتحدث عن بعض أحداث التاريخ الإنساني، حين تتبعت تلك الأحداث منذ عشرة قرون.

تتحدث عن نوع الاستعمار وآثاره المدمرة على عقول البشر قبل حياتهم.

مما كان لذلك تأثيره السلبي على الخطاب الثقافي الذي أضحى في مقدمة اهتماماتها.

اعتقد أنها أحسنت بالمنصفين حين دعتهم إلى قراءة الفكر الغربي في تعامله مع الشرق

وتلك الدعوة أجزم أنها من حكمة الكاتب الحصيف.

ويؤيد هذا حديثها العريض عن انسان ما بعد الاستعمار

وما فعلت به مخالب ذلك العدوان الذي اعتبره شخصيا عدواناً فكرياً في الطليعة.

وحين أفردت مبحثا لكتاب “الاستشراق” لمؤلفه ادوارد سعيد،

فإنما تريد بذلك الإشارة إلى ماورد في ذلك الكتاب عن الشرق المستباح حين أوغلت فيه الخطابات من أنه هو المستهدف بـأسلوب الهيمنة المقيتة.

وهنا تبصر أعيننا على حقيقة لا مراء فيها

وهي التأكيد على أن إيرادها لمثل هذه الرواية

إنما هو تأكيد على عدم تكافؤ الثقافات حسبما ورد في رواية سعيد،

والأنكى من ذلك أن المعرفة بذلك الأمر من خلال العادات والتقاليد أو حتى الدين، فإنما ذلك كله يستخدم لمصلحة القوى المستعمرة!!! وذلك يتنافى مع أصالة وثوابت الشرق.

سوانح نقدية

قطعة من صفاء الذهن وبهاء الخواطر، وليست مساحة من ورق

هي خميلة من أجمل الأرائك .. غدى يغفو عليها ذلك العقل المنهك حين لم يجد إلا حشواً من مفردات تقليدية. .. ولم تحنو عليه أية ثقافة.

إلا أن هذه السوانح قد أتت لتشير أن النقاد يقفون عند النصوص من خلال تحليلها للكشف عما بين السطور مما خلفته أفكار وتصورات الدول الاستعمارية.

سوانح نقدية

أصبحت هويةً للعبور إلى قراءات مختلفة للرواية خلف الحدود

وهي بهذا تكشف روايات ما بعد الاستعمار، حين أثخن جراح ما بعد الحدود

وأجمل من ذلك فقد غدت تلك السوانح

صومعةً تسكنها قلوب العاشقين للأدب وفنونه.

ثم تأتي لنا تلك الكنانية الرائعة بذلك الاستشهاد الأنموذج على رواية ما بعد الاستعمار

بتلك الرواية للأنموذج المختلف الذي شنف الأسماع بتراتيله الروائية.

الطيب صالح، ذلك الأديب الذي ذاع صيته شرقاً وغرباً،

وقد دعانا منذ زمن بعيد في زمن الموسم أن نهاجر معه صوب الشمال،

وفي سياق جمال ذلك الروائي تتبدى لنا الكاتبة

لتؤكد أن الطيب ومعه سهيل اللبناني قد كانت روايتيهما في هذا الاستهلال

أنموذجين لصور الصراع بين الشرق والغرب.

وفي يقيني أن الكاتبة لم تورد هذه الأنساق الأدبية ترفاً أو تسويقاً، إنما رؤية وتشويقاً.

وكل ذلك دعوة صادقة منها لأرباب الحرف الوتين

ليشربوا من سقاء تلك الروايات بدلو الأدب والنقد

إنني أؤكد هنا كما بدأت أن حديثي هنا ليس تقييماً لرسالة علمية،

ولا نقداً لعمل قد أعجب الزراع نباته،

وإنما هي دعوة صادقة مني لأهلنا في الشمال والجنوب والشرق والوسط

وكل المهتمين بالقراءات النقدية إلى أن تكون مكتباتهم

عامرة بهذه السوانح التي اعادت لنا توازن الطرح الأدبي

وإعادة صياغة النقد في أنساقٍ جمالية بعيدة كل البعد عن تعقيدات الماضي وحداثة الحاضر.

تجلى نجاح نلك السوانح حين ولجت الكاتبة إلى أعماق النصوص بأدوات وأساليب قويمة ساعدتها على الإتكاء كي تصل إلى أهداف ما بعد إعداد النص الروائي وقراءته، ولم تدخل إلى ذلك المضمار كأي روائي يريد أن يملأ السلة بما وجد كيفما اتفق.

أدعو أصدقائي لقراءة نصوصها الجيدة ووقفاتها المميزة في

رواية “أم الصبيان” كي يعلموا أنها ليست على ظاهر عنوان تلك الرواية، بل إنها شدت المئزر لتقرأ لنا من الأساطير القديمة التي عج بها موروثنا الأسطوري في جازان “على سبيل المثال وليس التقييد”

ثم ها هي مرة أخرى تلوح لنا الكنانية المتألقة لندلف معها

إلى صالونٍ مليئة أروقته بنص آخر من قراءة أخرى

اختارتها لذبول أغصان أدبنا الروائي والنقدي،

كي تحيا تلك الأغصان من قراءة رواية ليلى الجهني ” 40 في معنى أن أكبر”

ولو كان عنوان تلك الرواية غير ذلك لما استرعى الانتباه،

لكن هذا من ذكاء كاتبتنا الوقورة، كي تجعل لنا مقاما جميلا في التفكير النقدي

والعمل على سبر أغوار المعرفة بأساليبها المختلفة.

“الميثاق ، الإجتزاء ، التخييل ، الغربة ، الاغتراب” :

إنما هذه مصطلحات أدبية في صور مختلفة،

أدعو مجددا كل أرباب الكلمة الراقية العالية،

التي تريد أن تزداد في كنوزها من روائع ذلك الاستقلال العاطفي،

أن تلج إلى قلوب تلك المصطلحات

لتعلم ما في أحشائها ومثيلاتها من درر أدبية …..الخ الرواية.

أدعو بكل صدق وإصرار أولئك الذين أنهكوا كواهلنا،

ونحن صغاراً وكباراً بتمزيقهم ذلك القميص الأجنبي،

حين لا يريدونه في مدارسهم، أن يعكفوا على قراءة “غربة اللهجات”

التي أوردتها لنا تلك الكنانية المنصفة وأن يتمعنوا في اشتقاق البناء اللغوي للهجات وأن يردموا تلك الهوة السحيقة في مقامات الاغتراب.

تلك التراتيل المتنوعة التي اغدقت بها الكاتبة حيضان النداء العاطفي الأدبي لا تجدها إلا في قواميس أهل العلو والتميز والتفرد بالعطاء المعرفي الصحيح، أوردتها هنا بسخاء شاعرتنا

المتدثرة بجلباب المروءة الأدبية.

لم تُرِد الانسانة سميرة الكناني تعذيب قلوبنا بقوة لغة السرد في تلك الروايات، لكنها تخاطب سبات العقول إلى معرفة جديدة تتزاحم بها منصات التفكير الناقد.

سوانح نقدية:

هي القوافي والمحابر.

حين تتعانق فيه حروف الجمال والابداع

حين مسحت غربة القراءة النقدية الصحيحة.

تلك السوانح بلغتها الرصينة المتوثبة كدرر الشيخ الحكيم ..

وإن شئت ياصاح فقل لهم هي من أروع فراشات المساء ..

حين غدت تحلق قرب النافذة المشرعة لنسيم الليل

كي يأنسوا بقراءته بالقرب من تلك النافذة.

هي تراتيل من سيمفونية أخرى، بل هي قبسٌ من مشكاة المعرفة.

قد أتاحت لكل من قرأه أن يأخذ نفساً قوياً ليمتلئ عقله بتفكير جديد.

في جنبات تلك السوانح صدق العلم والمعرفة وليس فيه غير ذلك.

تتشكل تلك السوانح كسحابة لم يفصلها عن الودق يخرج من خلالها الا هنيهات بسيطة.

حقيقة القول .. قرأت كثيراً فلم استمتع بلغة الإشهار كما رأيتها في روائع المبدعة سميرة الكناني.

سوانح نقدية:

تجاوزت الحدود بجمالها هي ونتاجها الآخر حين أثنى على مفرداتها

ثلة من اوفياء الحرف الجميل، ثلة سامقة ممن تماهت أمامهم حروف الكاتبة المبدعة.

فها هو أستاذ النقد الرائد البروف عبدالله الزهراني ، أستاذ الادب والنقد،

حين أبدع هو الآخر في تلك القراءة، لتلك السوانح،

وما كان ليمتدحها بذلك الثناء الباذخ لولا أنها أثبتت حضورها أمام النقاد المبدعين.

سيما وقد قرأ فكر تلك الشاعرة كاملاً في تلك السوانح، حين قفزت فوق كل فكر، حتى تخيلت أنا أنه تجاوز بها حافظ إبراهيم ،بقصائده التي مخر بها عباب النيل.

سوانح نقدية :

1 – أوصي الجميع بقراءتها حيناً بعد حين.

2- أوصي الجهات المختصة بإعادة قراءتها بأسلوب آخر بالتنسيق مع الكاتبة للاستفادة منه فيما يتعلق بالمناهج ذات العلاقة.

3 – الكتاب سهل المحمل من القطع الصغير، لا يمثل لمن أراد امتلاكه أية معاناة.

4- أوصي ذلك المسافر الوحيد بحمل تلك السوانح لقراءتها أثناء رحلته الجوية أو البرية، كي تزيح عنه كآبة المنظر ووحشة الطريق.

5- أوصي طلاب الدراسات العليا أن يحاولوا مع مشرفيهم اختيار عناوين أبحاثهم في سياق تلك السوانح.

6- كانت لغة تلك السوانح متفردة بالقيم البلاغية الرائدة.

7- أحسب أن لغة تلك السوانح كالجواهر النادرة التي تسكن المحيطات مغلفة بمحار قوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى