المقالات

من منهم على صواب؟!!

من قواعد التأثير على المجتمع قاعدة (كلما اتسعت مساحة حرية الرأي كلما انخفض تأثير الآراء المتطرفة على المجتمع) غير أن اطّراد هذه القاعدة أصبح مهددًا بعد فجاجة سيطرة وسائل الإعلام المنحازة لطرف دون الآخر لأهداف لا تتعلق بالكشف عن الحقائق بقدر ما تتعلق بالمصالح الـ … … وضع ما شئت محل النقاط.
حيث يفاجؤونا الإعلام كل يوم برأيٍ متطرف يقوم بإعلاء كذبة إلى مرتبة الحقيقة!! أو إعلاء رذيلة إلى مرتبة قيم الفضيلة.. إن مضمون هذه المقدمة هي مادة تراشق طرفي ادّعاء الصواب في موضوعنا.

من القضايا الراهنة التي يتداولها الإعلام ظاهرة (التطرف المناخي)؛ فهناك اتجاه يراه نتيجة حتمية للسلوك البشري، واتجاه آخر يرى التطرف المناخي نتيجة حتمية لدورة طبيعية لمناخ الأرض.
الاتجاه الأول:
يرى أن السلوك البشري في استخدام الوقود الأحفوري (البترول، والغاز الطبيعي، والفحم الحجري) أسهم في المزيد من انبعاثات ما يعرف بالغازات الدفيئة التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري على سطح الأرض مما يسهم في زيادة حرائق الغابات، ومناطق الجفاف وذوبان الجليد، وحدوث الفيضانات وارتفاع منسوب البحار، وغرق أجزاء من المدن الساحلية، وزيادة حدة الأعاصير وزيادة حدة الكوارث الطبيعية بصفة عامة، ويستند هذا الفريق إلى دراسات علمية طولية؛ لتحليل مؤشرات التزايد في كميات الغازات الدفيئة في الهواء قبل وبعد الثورة الصناعية بطرق عدة؛ منها تحليل مؤشرات التزايد في تركيز الغازات الدفيئة في عينات من طبقات الجليد المتراكمة، وهذا الفريق يلقى دعمًا إعلاميًا يتبناه كثير من دول العالم؛ لذلك لن أتوسع في عرض هذا الاتجاه لأنه مستفاض في وسائل الإعلام وحسب.

كيف تعاملت السعودية مع هذا الاتجاه:
الذكاء الطبيعي المُعلن للسياسات الإدارية السعودية أسهم في إيجاد حلول وممارسات تسهم في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بطرق نالت احترام وتقدير الكثيرين، وتمثلت بعض هذه الحلول في:
(1)- اعتماد التوسع في العمل بنظام الاقتصاد الدائري الذي يقوم بخفض إهدار الموارد وخفض النفايات والانبعاثات؛ بأساليب عدة منها إعادة تدوير النفايات والانبعاثات في صناعات أخرى، وبالتالي انخفاض تسرب الانبعاثات في الهواء.
(2)- مبادرتا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر؛ بهدف زيادة الغطاء النباتي الذي يعتبر رئة الأرض لامتصاص ثاني أكسيد الكربون الذي يُشكل أكبر نسبة من الغازات الدفيئة، وبالتالي تستهدف مبادرة السعودية الخضراء – عمليًا – زيادة الغطاء النباتي لتنقية هواء الأرض بدرجة مساوية لكمية الانبعاثات الحادثة من استخدام العالم للبترول السعودي بصفة خاصة، فالحياد الصفري يعني أننا نصل إلى صفر انبعاثات مقارنةً بالتنقية النباتية الحادثة كمقابل.

الاتجاه الثاني:
يرى أن التطرف المناخي هو نتيجةً لدورات مناخية طبيعية تمر بها الأرض منذ القِدم، ويعتمدون في اتجاههم على دراسات طولية تحليلية علمية رياضية، ويرون أن الحل في ذلك هو الاستعداد لمواجهة هذا التطرف بالعلم والتكيُّف مع هذا التطرف للحد من آثاره الناتجة، ويلقى هذا الاتجاه دعمًا إعلاميًا دوليًا أقل من الاتجاه الأول، لذلك يعتبر أنصار هذا الاتجاه أن الاتجاه القائل بسببية السلوك البشري لا يستند إلى دراسات علمية رصينة وأنه -أي الاتجاه الأول- انكشف بوضوح كأداة إعلامية سياسية لبعض الدول أكثر منه كأداة علمية تدرس التطرف المناخي بحيادية للكشف عن الحقيقة، في هذا الرابط https://bit.ly/3Z0kSd4 تجد ملفًا بأسماء 1107 علماء ومهنيين مختصين من مختلف دول العالم وقعوا على إعلان يشكك علميًا في تضخيم سببية السلوك البشري الذي لا يعتمد على دليل إحصائي واحد ويدعمون سببية الدورة المناخية الطبيعية للأرض.

كما نشر موقع وكالة ناسا NASA الفضائية مقالات لنظرية ميلوتين ميلانكونفيتش Milutin Milankovitch التي صاغ من خلالها نموذجًا رياضيًا شاملًا لحساب اختلافات تعرض خطوط العرض لحرارة الشمس ودرجة حرارة السطح المقابلة لمدة 600 ألف عام مضت كدورات مناخية طبيعية، ويذكر أحد المقالات أنه تم تجاهل هذه النظرية حتى ظهرت دراسة نُوَى رواسب أعماق البحار؛ لتؤكد نتائجها تَوافق الواقع مع نظرية “ميلانكوفيتش”، ويضيف مقال “ناسا” أنه بعد هذه الدراسة تبنى المجلس القومي للبحوث التابع للأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم نموذج دورة “ميلانكوفيتش”. رابط المقال: https://go.nasa.gov/3ifYrQA

ويمكن تلخيص النظرية من مقال آخر على موقع وكالة “ناسا” أيضًا؛ بأن ثمة دورة مناخية مستمرة الحدوث للأرض ناتجة عن دورات طبيعية الأولى دورة تغير مدار الأرض حول الشمس؛ بحيث يتجه شكل المدار من الشكل البيضاوي إلى الشكل شبه الدائري كل 100 ألف عام، والدورة الثانية -وهي مايهمنا- دورة تغير درجة ميل محور الأرض ما بين 22.1 إلى 24.5 درجة كل 40 ألف عام (علمًا بأن درجة الميل الحالي هو 23.5 درجة)، وبالتالي ستؤدي زيادة درجة ميل محور الأرض إلى اقتراب مناطق من الأرض نحو الشمس وابتعاد مناطق أخرى عن الشمس، وهذا يفسر تفسيرًا طبيعيًا التطرف المناخي شتاءً وصيفًا. رابط المقال: https://go.nasa.gov/3jPbI36

انظر الشكل أدناه لتوضيح تأثير دورة تغير درجة ميل محور الأرض على شتاء منتصف الكرة الشمالي وعلى صيف منتصف الكرة الجنوبي كمثال؛ وهو نفس تأثير شتاء النصف الجنوبي وصيف النصف الشمالي في حالتي الأوج والحضيض، وحالتي تعامد الشمس على كل نصف منهما.

ونترك للقارئ معرفة أين الصواب؟ هل هو لدى اتجاه واحد فقط؟ أم مشترك بنسب متفاوتة أو بنسب متساوية؟

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com