المقالات

ثاني الراحلين !!

عندما تغيب شمس الأحبة عن سمانا يصبح الكون ظلامًا دامسًا دون أيّ ألوان أو ملامح، فلا يبقى إلا صدى أصواتهم ترنّ في أذانِنا، ولا نرى سوى ملامح وجوههم، ولا نتذكّر سوى نظرات أعينهم عند وداعنا، وقد عايشت كل هذه الأحاسيس والمشاعر عندما فقدنا أخي -رحمه الله تعالى- قبل ثماني سنوات؛ حيث كان ذلك هو الرحيل الأول الذي ترك جرحًا غائرًا في قلوبنا وما زال نزفه مستمرًا منذ أن تلقينا خبر مغادرته الحياة الدنيا بشكل مفاجئ وحتى يومنا هذا، وهاهي هذه المشاعر تجدد ويتجدد معها ذلك النزف المؤلم بعد أن رحلت أختي قبل أيام؛ حيث يعد فقدها الرحيل الثاني الذي أدمى القلوب وأبكى العيون، فليس هناك على هذه البسيطة ما هو أصعب من الموت وفقدان شخص عزيز إلى الأبد.

وعلى الرغم من إيماننا الشديد بأن الموت حقيقة مُطلقة في هذه الحياة، وأنه مصير كل حي طال به العمر أو قصر إلا أن وفاة أي شخص عزيز يعد أمرًا في غاية الصعوبة على المُقرّبين منه، فكم هو مؤلم أن تكبر مع شخص وتقضي جُل حياتك معه ثم تتفاجأ باختفائه إلى الأبد، إنه أمر أكبر من أن يستوعبه أحد، أو أن تدركه العقول كما أن من الصعب أن تفارق روحًا كانت جزءًا منك، دون أن تحزن ودون أن تتألم؛ لأن الأحبة عندما يرحلون يتركون في القلب ندبات لا يزول أثرها حتى وإن توالت الأيام ومرت السنون؛ فهم رحلوا وتركوا ذكراهم تحيط بنا من كل جانب؛ وكأنهم يبعثون لنا رسائل فحواها لا تنسونا بعد الرحيل بل اذكرونا دومًا في صلاتكم وفي دعواتكم في كل مكان وزمان.

وعطفًا على ما سبق فإن النفس ضعيفة هشة لا تتحمل فكرة عدم وجود من كانوا لا يفارقونها لحظة ولا تستطيع أن تتعود على ذلك مطلقًا، ولكن يجب أن نحاول قدر جهدنا أن نعتاد على الحياة بدونهم من أجل أن تستمر الحياة وخير سلاح؛ لذلك الصبر فهو خير ما يمكننا فعله فقد يكون فراقهم بلاءً يختبر الله به صبرنا فإن صبرنا نرقى به إلى مراتب الصابرين, كما أنه يجب علينا كلما شعرنا بالهوان والضعف أن نتذكر قول الله تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ) فهي تملأ الفؤاد وترويه بماء الصبر واليقين.

وختام القول فإنه في أحيانٍ كثيرة، لا يجد الإنسان الكلمات التي يستطيع أن يعبر بها عما يدور في داخله من مشاعر، وعما يشتعل في صدره من أحاسيس وتفاعلات، عندما يغيب الموت من نحب، حيث يكتفي الإنسان بأن يخرج كل مشاعر الحزن والأسى عبر دموع صامتة، أو من خلال استرجاع شريط الذكريات القريبة والبعيدة، وفي كل الأحوال يبقى الدعاء والتضرع إلى الله بأن يرحم من فقدناهم برحمته هو الملاذ والمخرج الوحيد من حالة الحزن والأسى، فالفراق حديثه الصمت وعندما يفيض بنا يكون لسانه الدموع؛ فلا ندرى أنبكي عليهم أم نبكي على أنفسنا بعد فراقهم؟!

وخزة قلم:
الموت فراق قبله كانت فرصة العناق، وبعده عَبرات واشتياق؛ فكونوا دائمًا على وفاق قبل أن تلتف الساق بالساق !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى