الحرمين الشريفين

خطيب المسجد الحرام: لا يجوز للمسلم أن يتصور أن الدين يحتاج إلى تكملة أو زيادة أو نقصان أو تطوير

أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني.

واستهل فضيلته خطبته بقوله: أيها الناس، اتقوا الله حق تقواه، فان في تقواه كل خير جزيل، واحذروا اخذه وعقابه فانه اليم وبيل وسارعوا إلى مغفرته ورضاه. فقد خلقكم لأمر عظيم، وهيأكم لشأن جسيم، خلقكم لمعرفته وعبادته، وأمركم بتوحيده وطاعته، وجعل لكم ميعادا تجتمعون فيه للحكم فيكم، وفصل القضاء بينكم، فخاب وشقي عبد أخرجه الله من رحمته التي وسعت كل شيء وجنة عرضها السموات والأرض، وإنما يكون الأمان غدا لمن خاف واتقى، وباع قليلا بكثير، وفانيا بباق، وشقوة بسعادة، وأعلموا ان من أعظم المطالب لراحة القلب وسروره وزوال همومه وغمومه وبه تحصل الحياة الطيبة ويتم السرور والابتهاج هو الايمان بالله والعمل الصالح والإحسان إلى الخلق قولا وفعلا وبكل ما هو معروف.

أيها الناس : إن في اختيار الخالق تبارك وتعالى دين الإسلام شرعة ومنهجاً للمؤمنين لهو دليل على عنايته تعالى بهم ومحبته لهم ورضائه عنهم ، قال تعالى: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي وَرَضِيت لَكم الإِسلَام) والآية الكريمة من اخر ما نزل من القران الكريم تكلم الرب سبحانه وتعالى عن نفسه واخبر بانه اكمل لامة محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم تسليما دينهم ، وانه اتم عليهم نعمته ، وانه رضي لهم الاسلام دينا ، فاكمل الله بها الدين واتم بها النعمة ، وايس الذين كفروا من ان ينالوا من دين الاسلام او ان ينقصوه او ان يحرفوه ، فقد كتب الله له الكمال وسجل له البقاء، وتكفل الله بحفظه وحمايته (إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) وقد بين الله تعالى في محكم التنزيل ان رسالة محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم تسليما كاملة شاملة ، هي خاتمة الرسالات السماوية ، ارسل بها رسولا طهره واصطفاه وقربه ، وادناه، فأرسله الى جميع الثقلين الجن والانس بشيرا ونذيرا ورحمة للعالمين وسراجا منيرا ، وانزل عليه كتابا مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، انزل عليه وحيا يخاطب العقول والفطرة، ويتناول جميع نواحي الحياة ، حياة الفرد والاسرة وحياة المجتمع والدولة ، فقد نظم صلة الانسان بخالقه ، وصلة المسلم بأخيه المسلم وصلة المسلم بغيره ، حتى صلته بالحيوان وجميع افراد العالم الصامت والناطق وعالج جميع المشاكل ، ورسم جميع النظم في كل الامور صغيرها وكبيرها حتى حاجة الانسان كيف يقضيها ، فالذي انزل اخر النظم السماوية وجعلها ناسخة لما قبلها من النظم ، هو الذي خلق الكون ويعلم ما كان فيه وما سيكون من تطورات وتغيرات وما يستجد من متطلبات ، فجعله نظاماً يتسع لجميع الاحتمالات في إطار العدل وفي ظل التقوى وخشية الله ، فلا يجوز لمسلم أن يتصور أن هذا الدين غير شامل أو أنه يحتاج إلى تكملة أو زيادة أو نقصان أو تنسيق أو تطوير ، فإن هذا تصور خاطئ يخالف حقيقة الإسلام فواجب الأمة المسلمة أن تبذل جهدها لشكر المنعم عليها ، وأن تقوم بكل قدراتها بحقوق ربها ، وأن تُدرك مدى هذا الاختيار وهذا الرضا ، فتتمسك بدينها الذي رضيه لها ربها بكل عزائمها وأن تعض عليه بنواجذها .

وأضاف فضيلته: أن الإسلام عباد الله هو دين الله الذي لا يقبل دينا سواه، فقد اودعه الله عزوجل كمال وسعادة كل عبد يدين به لله رب العالمين، فيعبد الله وحده بما حواه من عقيدة التوحيد الراسخة ومن عبادات وأحكام وآداب وأخلاق.

وفي خطبته الثانية قال الشيخ الجهني: اتقوا الله أيها المسلمون، واعلموا أنه لم يبق إلا أيامًا قلائل، ونستقبل موسما من مواسم الخير وميدانا يتسابق فيه المتسابقون ، إنه ضيف عزيز ووافد كريم تتشوف القلوب إلى مجيئه ، وتتطلع النفوس إلى قدومه ، هو شهر رمضان شهر الصيام والقران والعتق من النيران ، وشهر البر والجود والإحسان وكل أنواع الطاعات والقربات ، يتباشر المؤمنون بقدومه ، ويهنئ بعضهم بعضا ببلوغه ، قال صلى الله عليه وسلم : إذا كان أوَّلُ لَيلةٍ من رَمَضانَ صُفِّدَتِ الشَّياطينُ، ومَرَدةُ الجِنِّ، وغُلِّقَت أبوابُ النَّارِ، فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفُتِحَت أبوابُ الجِنانِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ، ونادى مُنادٍ: يا باغِيَ الخَيرِ أَقْبِلْ، ويا باغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وللهِ عُتَقاءُ منَ النَّارِ. رواه الترمذي.

وقد كان السلف الصالح يسألون الله ستة أشهر ان يبلغهم رمضان، فاذا بلغهم إياه سألوه ستة أشهر أخرى ان يتقبل منه، وسئل عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل رضي الله عنه، كيف كنتم تستقبلون رمضان؟ فأجاب قائلاً : ما كان أحدنا يجرؤ على استقبال الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم ، فاسألوا الله تعالى أن يبلغكم شهر صومكم ، واستقبلوه بالنية الصالحة والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه ، واغتنموا نعمة الصحة والقدرة على العمل ، فكم من مسلم يتمنى أن يصوم رمضان ويقوم ليله فلا يستطيع لمرض يمنعه وكم من إنسان استحوذ عليه الشيطان فهو في الأرض حيران، وكم من مسلم تفيض عينه من الدمع حزنًا ألا يستطيع الوصول إلى بيت الله وكم من مرء استحوذت عليه شهواته وجعلته في غفله ونسيان يقول إنه مسلم ولا يؤدى شعائر الإسلام ، فاشكروا نعمة الله عليكم واجتهدوا في طاعته وطاعة رسوله ، واشكروا نعمة الأمن والاستقرار تؤدون شعائر دينكم في بيوت الله بعز وافتخار ، واشكروا نعمة الله عليكم واجتهدوا في طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.

وخذوا من صحتكم لمرضكم، ومن غناكم لفقركم، ومن شبابكم لهرمكم، ومن حياتكم لموتكم ومن فراغكم لشغلكم.

وأوصيكم بالتمسك بآداب هذا الشهر واحترامه وأداء حقه والتعرض لرحمة الله واحسانه فان هذا الشهر فرصة لا تعوض فقد لا يدرك المرء شهرا مثله، نسأل الله ان يوفقنا لبلوغ هذا الشهر، وان يوفقنا لصيامه وقيامه ايمانا واحتسابا وأن يجعلنا من عتقائه من النار، والفائزين برحمة الله ورضوانه وإن يتقبل منا ومن جميع المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى