المقالات

المسامح كريم

هيا كدا

بعد أيام يطلُّ علينا شهر الخير والفضل شهر رمضان الذي أَنزل فيه القرآن. الشهر الذي كله بإذن الله رحمة ومغفرة الذنوب، وأنا أقلب أوراق التقويم لأنظر أي يوم هو أول أيام رمضان. نقلني تقويم أم القري الذي بدأ بطباعته في مطابع الحكومة في مكة المكرمة عام 1346. نقلني إلى رحلة مر عليها عشرات السنين عنوانها بل وأيقونتها “الله وليك يا صايم”.
عبارة كنا نسمعها كل ما نزلنا السوق البسيط الذي في أطراف حارتنا، والذي يعج بالكثير من الباعة. ريحة الأطعمة الزكية تملأ خياشيمنا وأحيانًا تعلق بملابسنا التي معظمها فنيلة وفوطة أو ثوب وعليه حزام الخصر “الكمر”، والكمر حزام جلدي عريض به عدة جيوب أحدها لحفظ الأوراق المالية -إن وجدت- وآخر لحفظ القروش. ويتدلى منه سلسلة مفاتيح البيت أو الدكان إذا كان ممن تبحبح حالة حبتين وأصبح عنده متجر، ولو كان مترًا في متر في مترين..المهم نمر قبيل المغرب علي ذلك السوق وأصوات الباعة من كل اتجاه الله وليك ياصايم. وطبعًا سيدة المائدة الرمضانية السمبوسك باللحمة الطازجة من ذاك الوقت وإلى الآن مكانتها ثابتة لا تتزعزع، وهي التي تعطر الأنوف وتفتح الشهيات بشذاها اللذيذ. نعم هذه هي مشاعرنا في ذلك الوقت رائحتها وهي تتقلب في الصاج، وتسبح في زيت السمسم لا تضاهيها أي رائحة حتي لو كانت من ماركات شانيل وكارتيه وغيرها “التي لم نعرفها أصلاً” أما الفول أو الفص كما يسمونه. فهذا ولا شك وجبة الفقير والغني. وإن كنا في ذلك الزمان إلى حد كبير نسمع بالغني ولا نراه، وإن كان هناك بعض الميسوري الحال فهـؤلاء ميسورون بالكاد؛ لأنهم لا يحتاجون إلى أي مساعدة من الآخرين. عم حمدان الفوال يجلس خلف جرة الفول التي تتنافس مع كرشه البارز ولا كأنه سلطان زمانه. يغرف بتلك الملعقة الطويلة ذات السعة الجيدة. هات يا واد القرشين حقت الفول وإذا تبغي شوية سمن وشريكة حط عليها كمان قرشين. طيب ياعم تكفي زود الطحينة وشوية سلطة حارة. يرد طيب بس تري كل شيء بحقه. يا عم راعينا. طيب وسلم لي على أبوك وقله بالهناء والشفاء، ويأخذ على زبدية الفول مع الشريكة، ومن جمال ريحة الفول يكاد يغمس جزءًا من الشريكة علي الريحة، ولكن كيف وهناك الحكومة في البيت، وهيئة مراقبة الفساد أم البيت. وأول ما يجي. خليني أشوف ياولد لا يكون لطشت من الفول وإلا وصلة من الشريكة. يرد يا أمي الصراحةً الشيطان وسوس لي ولكن تعودت بالله منه، وينادي الأب الجميع. يلا توضوا عشان نصلي جماعة، وتتلم الأسرة. على ما قسم حبة تمر وفنجان قهوة والشراب الأحمر الذي ربما هو من الأصبغة وكم نقطة من القارورة يزودون عليها شوية موية وحبتين ثلج ويا سلام سلم ألذ شربيت، وإذا حصلت حبة سمبوسة مقرمشة أووووه. بيكون أخت العيد وإفطار لا قبله ولا بعده. ومن ثم عليك يا فول اجتمعنا. حنا وأبويا وأمي. محلًا عليك الطحينة، وقبل ما نأكل نسمي. ومن ثم الصلاة جماعة. وكل في ركنة. الوالد؛ يا أم علي هاتي براد الشاي أمخمخ عليه وأقلك بشارة حلوة. طيب والله شوقتني. عسي أدوك ثاني المربوط ويزيد الراتب كم ريال والله إحنا في حاجتهم. يرد تعالي وبعدين تسمعي وتجيب البراد. وتصب له فنجان علي قولهم لونه زي دم الغزال، وعليه ما تيسر من السكر. أصلًا أيامها لا يعرفون السكر ولا الضغط وقد يكون موجودًا ولكن بأسماء أخرى.. جسمي طايح أو رأسي يعورني. ويردون عليه بسم الله عليك وتمضي أيام. كيفما ما كان تزيد وتتضاعف والحياة لا تتوقف. المهم وهو يمزمز علي فنجان الشاي بشغف. والله حبيتي البراد محكور براوه عليكي. أيوة يا خويا يعني هذه أول مرة أحكره. المهم لا تأخذني في الكلام. قلي كم زودوا راتبك. اسمعي يا أم علي. تذكري لما قلت لك أني رايح للعمدة قبل أسبوعين، وتأخرت عنده لبعد نص الليل. قالت أيوه. وتناقرت أنا وأنت وقلت لك معقول تتأخر عند العمدة لهذي الحزة. قمت حلفتلي وصدقتك علي مضض. رد فضينا من هذه السيرة. اسمعي أنا كنت اقترحت على العمدة نجمع كبار الحارة ونتفق علي أن نعقد جلسة في أول شهر رمضان، ونجمع كل المتخاصمين والذي بينهم سوء فهم ونصالحهم، والذي عليه دين بسيط علي رفيقه نسدد ونقارب بينهم، والباقي نتكفل به، وأبشرك اليوم عقدنا الاجتماع، وما خرجنا إلا كل الذين كان بينهم بعض الخصومة خرجوا متصالحين وتسمعي مزوحههم وضحكاتهم من آخر الحارة. اليوم خلينا الحارة صافي يالبن. ردت والله. أنا كنت أحلم بزيادة راتبك ولكن أشهد الله أن هذا الخبر أجمل وأفضل من تلك الزيادة. قال لها وأبشرك. زادت الفلوس وقررنا نبدأ بها بناء مسجد علي الأرض اللي تبرع بها فاعل خير، ويارب رمضان القادم نصلي فيه التراويح. ردت طالبتك ما تردني. رد أبشري يا أم علي طلبك أمر. قالت بأتبرع بالرشرش اللي أهديته لي يوم الملكة. رد أنتي ما جيتي في جمل. تم وما عند الله خير وأبقى، وكم أتمنى أننا في رمضان نعلن مسامحتنا لكل من اختصم معنا أو اختصمنا معه. نعم لا يوجد أجمل من العفو، وقالوا أهل زمان “أهل السماح عاشوا ملاح”، ومن عفا وأصلح أجره على الله. تصالحوا تسامحوا، والله وليك يا صايم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى