المقالات

كبدة حاشي وتعليمات الوزارة

أحسن وزير الشؤون الإسلامية الشيخ د.⁧‫عبداللطيف آل الشيخ‬⁩ صُنعًا عندما وجه معاليه باعتماد المدة بين الأذان والإقامة لصلاتَي الفجر والعشاء في شهر رمضان (عشر دقائق)؛ بهدف التيسير على المصلين، فصلاة الجماعة في المسجد يجب أن يُراعى فيها ظروف وأحوال الناس، بخلاف صلاة الرجل في بيته؛ فيحق له أن يقوم الليل كما يشاء محتسبًا الأجر والثواب.

‏ليلة دخول الشهر الفضيل صليت العشاء والتراويح مع صديقي الدكتور أبو صلاح، في أحد المساجد بمكة المكرمة، وكان الدكتور حريصًا على أداء الصلاة جماعة منذُ أن كنا جالسين في الكوفي قبل صلاة المغرب؛ حيث قام من على الجلسة التي كنا فيها وأقام الصلاة وأدينا الفرض جماعة، ثم عُدنا لاحتساء كوب القهوة واستعراض الكتب التي أحضرها معه، وكانت عبارة عن إهداء لي من أحد أصدقائه. مع قُرب صلاة العشاء ذكرني الدكتور بأن الليلة تراويح، وعلينا أن نصلي في أقرب مسجد، خرجنا من الكوفي وكنت أشرت إليه نصلي في حيينا، ثم استقر بنا المقام في أحد المساجد الجديدة على الشارع العام، وصلينا العشاء والتراويح ولله الحمد، وسط أجواء إيمانية رائعة امتزجت مع أجواء مكة المكرمة الساحرة؛ حيث كان المسجد مهيئًا للصلاة بكل ما فيه من تكييف وفرش نظيف وإمام صوته يشبه صوت الشيخ سعود الشريم، جعلني أتأمَّل كثيرًا. خرجنا من المسجد شاكرين الله -عز وجل- أن يسر لنا الصلاة مع الجماعة، غير أن وجه الدكتور فارقـته البشاشة وكانت نظرة عينه حادة، لم أعهده بهذا الشكل. نزع النظارة من على عينه وقام بمسحها بالمنديل ثم قال أستأذنك أذهب لدورة المياه، وكأن في فمه ماء، فتقدمته عند السيارة وانتظرته حتى جاء ثم بادرني بسؤال قائلًا: بالله إيش فيه هذا الإمام يطوّل كسّر رجولنا، وكسّر ظهورنا قلت له: شباب ونشيط يا دكتور والليلة دخول رمضان والجو جميل، قال: يا أخي طوّل في الصلاة وطوّل في الدعاء وخالف تعليمات الوزارة!، شعرت بتعب الدكتور ومعاناته رغم حرصه على أداء الصلاة والحقيقة ما عرفت أرد عليه، ثم مع هبة النسمة فتح الله عليّ وقلت: إيش رأيك نروح نأكل كبدة حاشي قريب من المسجد؟ قال: قريب؟ قلت إيه، كبدة على كيفك يا دكتور. هدأ الدكتور وذهبنا لمحل كبدة الحاشي، وتهلهل وجهه ثم بدأ يمازح العامل عند دخولنا المطعم حتى وصلت الكبدة المحروسة وأكلناها مع كوب الشاي المنعنع، وعندها ترن في أذني كلمة “مخالف لتعليمات الوزارة”.

و‏أثناء انشغال أبو صلاح مع الكبدة سألت نفسي.. هل الإمام طوّل في الصلاة وطوّل في الدعاء؟ أم أن أبو صلاح كبُر سنه وصحته لم تسعفه؟ ثم تأمَّلت وقلت في نفسي الأمارة بالسوء: هذا والمسجد جميل ونظيف وبارد لم يتحمل، كيف لو صلى أبو صلاح في مسجدنا والسقف يخر بالماء من جراء الأمطار الأخيرة، وكيف لو شاف السطل الذي فرّق بين المصلين يستقبل قطرات الماء وهي تتساقط من السقف؟! هل يعذرنا إذا قلت له جماعة المسجد ينتظرون صرف بند الصيانة لإصلاح السقف، وهل لو قلت له تبرع لصيانة سقف المسجد راح يتجاوب أم يقول: مخالف لتعليمات الوزارة.

‏خاتمة
‏في ظل تأخير صرف مبالغ صيانة بعض المساجد وإيقاف عملية التبرعات، أقترح على الوزارة الاستفادة من واجهات المساجد وعمل محلات تجارية يعود ريعها للصيانة، وتكون المحلات عبارة عن تسجيلات إسلامية ومحلات للعود والعطور والتمور، ولا مانع من محل يبيع “كبدة حاشي”.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لماذا أعجبني المقال؟
    العنوان المميز اللافت الموجز الذين يقول كثيرا في كلمتين، الطرح وحجته مصحوبا بقصة إنسانية لطيفة عن رجل من لحم ودم، مذيلة باقتراح وطرفة تكشف عن كثير من المسكوت. من أهم المقالات الصحفية التي قرأتها أخيرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى