المقالات

لطائف رمضانية (1- 4)

تعيدنا صفحات التاريخ إلى استرجاع بعضاً من النوادر والطرائف واللطائف التي ارتبطت بشهر رمضان المبارك، لعلها ترسم البسمة على الشفاة مع الصيام.
ويحدثنا التاريخ أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز حين كان والياً على المدينة – قبل توليه الحكم بسنوات- كان من عادته أن يصلي الصلوات الخمس في رمضان كلها في المسجد النبوي الشريف . وفي صلاة عصر أحد الأيام، رأى أعرابياً يأكل بجانب قبر الرسول – صلى الله عليه و سلّم-، فاقترب منه مستفسراً: أمريض أنت؟ أأنت على سفر؟، فرد الرجل: لا، فقال عمر: لماذأ أنت مفطر إذاً، فقال الأعرابي: إنكم تجدون الطعام فتصومون، وأنا إن وجدته لا أدعه يفلت مني؟!.
ومن نوادر مصر في العصر المملوكي، أن السلطان كان يخصص مُحتسباً (مراقب) لمعاقبة المفطر بتأديبه معنوياً حيث كان يكلف الأطفال بعمل زفة له وينادون عليه بالشارع : يا فاطر.. يا لدينك خاسر”، وهي العبارة التي تطورت فيما بعد حين كنا أطفالاً وننادي على المفطر: “يا فاطر رمضان يا خاسر دينك”.
ومن نوادر ذلك العصر أيضاً أن السلطان الأشرف برسباي اعتاد عقد مجالس علم للفقهاء والمشايخ في رمضان، ولكنه كان يحضر “الفلكة والعصا” لمعاقبة من يتجاوز من العلماء حين يحتدم النقاش بينهم؟!!.
ولا يعرف الكثيرون أن مصر شهدت تعيين أول وآخر إمرأة في تاريخ المسلمين رسمياً كـ “شاهدة رسمية لهلال رمضان”.. حدث ذلك في عهد السلطان محمد الناصر بن قلاوون حين جاء رمضان في الشتاء وبالطبع كانت الغيوم تملأ السماء، فلم يستطع أحد رؤية الهلال، وبالتالي أجمع الناس على عدم الصيام ذلك اليوم إلا أن زوجة المفتي آنذاك (أُشتهرت بحدة البصر) كانت الوحيدة التي شاهدت الهلال من خلال السحاب من فوق سطح منزلها. وأخبرت زوجها الذي رفع الأمر للسلطان الذي استدعاها واستحلفها، وصدقها الحضور بعد القسم والتأكيد، وصام الناس، وتم تعيينها كما سبق القول.
ومن النوادر الدارجة تاريخياً أن مجموعة من أهل بلدة اجتمعوا ذات ليلة على جبل لاستطلاع رؤية هلال رمضان، وظلوا يدققون النظر في الأفق لفترة طويلة لكنهم لم يروا شيئاً.
وبعد طول انتظار استعدوا للمغادرة، لكن رجلاً – وكان ينظر من خلال منظار فلكي- صاح بهم قائلاً: “لقد رأيته.. لقد رأيته”، وحين نظر قاضي البلدة إلى الجهة التي أشار اليها الرجل رأى الهلال بالفعل، فأمر بصرف مكافأة فورية للرجل. عندئذٍ أمسك الرجل المنظار الفلكي مرة أخرى ونظر من خلاله في الجهة الأخرى من الأفق وصاح: “وهناك هلال ثانٍ!”، فضحك الناس من قوله وانصرفوا ليبشروا أهل البلدة بظهور هلال شهر الصيام.
ومن النوادر أيضاً أن رجلا دخل بلدة في نهار رمضان فوجد أهلها يأكلون ويشربون على الملأ، فسأل متعجباً: “ألا تصومون رمضان؟”، فردوا: “إن كبير القرية يصوم عنا بالنيابة”. فازدادت دهشة الرجل وذهب إلى بيت ذلك الكبير ليستوضح منه حقيقة الأمر، لكنه وجد الكبير جالساً وأمامه مائدة عامرة بالأطعمة ويلتهم منها ما يشتهي التهاما. فتعجب الرجل وسأل الكبير: “كيف بك جالس تأكل في نهار رمضان، وقد قيل لي إنك تصوم بالنيابة عن أهل البلدة؟”، فرد عليه: “يا جاهل.. الذي يصوم عن أهل بلدة كاملة، أَلاَ ينبغي له أن يتسحَّر مرة كل نصف ساعة ليقوى على مواصلة ذلك العبء الثقيل؟!”.
………………………..
* صحفي وكاتب مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى