جدارية شاعر

كاتبة تُحب

الكاتبة لا ينبغي لها أن تُحب؛ لأنها يجب أن تُحافظ على صقيل قلبها لامعًا لا تخدشه العواطف العابرة أو الطارئة؛ كي تستعين ببريق قلبها لتكتب كلمات براقة ذات أثر يسلب العقول ..
لكن الكاتبة يجب أن تحب؛ لأن الحب هو وقود الكتابة ومنهل الإبداع، وينبوع المعاني النبيلة ..
فأين تكون الكاتبة بين هذين الخيارين ..تحب أو لا تحب..؟!
لحظة..
هل الحب اختيار؟ هل لها أن تحضر (مقياس) وأدوات ثم ترسم لقلبها الكامن بين قفص أضلاعها كيف له أن يسير بين هؤلاء البشر (المتدفقون) من كل سبيل ثم تمسكه من أُذينهِ الأيمن، وتحذره ألا يقع في مهاوي الحب كي يبقى براقًا ..
معادلة مستحيلة..
يجب أن تحب الكاتبة؛ كي تنعم بالغزير من المعاني وتقطف من ربيع الحب أجمل الأزهار، وتصنع منها أكاليل تضعها فوق هامتها وتُسكن في مقلة عينها من يحجب الرؤية عن كل الناس، فلا ترى إلا عيون محبوبها ولا ترقب نظراتها إلا تحركاته ولا يطرب فؤادها إلا لصوته .. تبحر في فلك من صنع خيالها لا يتسع إلا لشخصين يحملهما فوق انسياب نهرٍ ينظران من صفحته الفيروزية إلى قاعه، وتتحرك الأسماك في لجته كأنها تبارك حبهما، وتسير بهما المركب بلا نهاية..
لا تعود مركبهما إلى الشاطئ تبقى تسبح في نعيم الفيروز؛ لأنها إن عادت تقيدت بواقع الحياة ويسرقها النهار تبدأ في عدّ الساعات التي يجب عليها أن تقضيها في إرضاء كل شيء عدا رضا نفسها..

إن وقعت الكاتبة في الحب فالنعيم كل النعيم سيحل بين سطورها، وستكون كلماتها أُغنيات وحديثها رقيق مخملي، ونظراتها تسبر العقول والقلوب، إن أُسر قلبها بين قضبان الحب سترى كل الحروب معزوفات والعواصف أغنيات والنزاعات ممازحات، ستغيَّر نظرتها للكون وستغيَّر نظرة القراء له، ستدعو للتصالح والتخطي والتسامح ..
لكن إن كُسر قلبها فسترى الأعراس حروبًا والزهور عوالق والعطور تلوثًا، ستظن أن الموسيقى صراخ، والأغنيات عذاب والنسيم عاصفة ..
…في ذات مرة أحبت كاتبة.. وقفت أمام المرآة ومسكت بمشطها، وفرقت بين خصل شعرها، وصنعت من انثياله جديلتين، وربطت في طرف كل جديلة شريطة بيضاء، وعقدتهما على شكل فراشة، وأخذت من الأصيص وردة بيضاء، واستنشقت عبيرها وأخذت تغني: ساندريلا أنت وردة وردة بيضاء..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى