المقالات

عطش الشهرة، مرض العصر المستشار

(الشهرة) كلمةٌ تشغل الكثيرين، سباق للوصول إليها دون محتوى، أضواء ومناصب متعددة بدون أمانة، حب الظهور دفع النفوس إلى التصارع والتباغض، حتى الأقران والأصحاب يتصارعون، ويتنافسون عليها، باتت العداوة تنخر في دواخلهم كما ينخر السوس الخشب، ومجالات الشهرة أصبحت معروفة وشائعة، ففي المجال الفني مثلًا، حدّث ولا حرج، والكثير من المجالات الغريبة والمخالفة للدين والعُرف والتقاليد والتي تجد صدى واسعًا لدى بعض وسائل الإعلام وبعض وسائل التواصل الاجتماعية المختلفة، والتي يُساهم بعضها في الترويج لمثل هذه الحالات وإبرازها بشكل كبير.
للشهرة بريق أخّاذ، يسطع أمام ضعاف النفوس فيستولي عليهم، ويُغري البعض فلا يستطيع تجاهله أو الابتعاد عنه؛ إلا مَن كان قوي الإرادة والشخصية، فقد أصبح هناك مَن يلهث خلف الشهرة بمختلف الوسائل، ويسعى إلى كسبها بشتى الطرق؛ وذلك لعدة أسباب؛ منها: كسب المال، أو حب الظهور بين الناس، أو ليلقى الممدوح كلمات المدح والإطراء من جماهيره؛ فيعتز ويفخر بها سواء أكان يستحقها أم لا.
هذه الظواهر مجتمعة، لم تعد تبحث عن العلماء المتميزين، ولا عن المبدعين، ولا عن الأدباء أو المثقفين، ولا عن النخبة الذين يقدّمون للمجتمعات ما يفيدهم ويساهم في تطويرهم، ولا عمّن يقدمون أرواحهم فداءً للوطن ويكونون أنموذجًا في التضحية والبطولة، ولا عمّن يساهمون في رفع علَم بلادهم خفاقًا في المسابقات الدولية بمختلف أنواعها، بل أصبحت الشهرة تبحث عن أصحاب المقالات الغريبة العجيبة، أو البرامج ذات القضايا الشائكة، والتي يختلف عليها العديد من فئات المجتمع، وتجد أكثرها عند أصحاب الآراء الشاذة عن القواعد والأصول، ماذا فعلت هذه الكلمة الأخّاذة بالعقول وبالنفوس؟
مثال على ذلك وما أكثر الأمثلة، فقد أدّت إلى تسليع المرأة بعدما كرّمها الإسلام، وصارت النساء تسعى خلف الشهرة دون ضوابط أخلاقية، كالتعري في الإعلانات واللافتات الموجودة في الشوارع، وغيرها…أين القضايا الفكرية والثقافية والمجتمعية من هذا الشأن؟
هل هكذا تكون فلسفة الحياة؟ أيّ سطحية تعيشها المرأة وأين صارت مكانتها ؟ كيف يكون لها يومًا عالميًا يُحتفى به وصرنا نراها في أماكن ليست لها، والحديث بذلك يطول.
نشعر وكأننا نعيش أزمة من الأزمات، ولكن هذه المرة الأزمة مختلفة عن معناها الحقيقي، وهو “أريد أن أكون مشهورًا، ولا يهمني كيف، أو لا أكون”.
إنّ جميع من يلهث خلف الشهرة، عليه أن يدرك تمامًا أنه يسلك طريقًا محفوفًا بالمخاطر والأشواك، هناك الكثير من المكائد التي تنتظر من يطمح إليها وهو ليس أهلًا لها، واعلموا أن الكثيرين تحولت حياتهم إلى جحيم لا يُطاق أدى ببعضهم إلى الانتحار، أو أصابتهم حالات نفسية أدت بهم إلى الانزواء والهلوسة، ومنهم من وصل إلى المحاكم أو زُجّ خلف قضبان السجون أو في المستشفيات للأمراض العصبية والنفسية، ومنهم من انحرف؛ ليدخل عالم تناول المخدرات ظنًا منه أنّ في ذلك حياة كأنها جنة على الأرض ويعيشها كما يشاء، ..كل هذا بسبب رغبتهم بتسليط الأضواء عليهم ووقوعهم بأمكنة غير مناسبة لشخوصهم ..فبريق الشهرة أعمى بصرهم وبصيرتهم، والغرور بات قوتهم اليومي، سَوّلَتْهم أنفسهم على القيام بأفعال حذرَهم الله منها، ونسوا قوله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد: 20)، وقوله أيضًا: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) (الإسراء: 37)

ختامًا أقول، أنا لستُ ضد الشهرة، لكن يجب على كل صاحب رسالة سامية أن يوصلها للمجتمع، فحقٌ على هذه العقول الظهور، وحقٌ للكلمات والأفعال السامية أن ترى النور، لكننا وللأسف صرنا نُعاني من شُح الفائدة في وسائل التواصل، وهنا لا أحصر الفائدة بالمحتوى الثقافي أو الأدبي أو الديني، فالشخص الذي يستطيع إضحاك الناس دون الإساءة، هو يقدم رسالة جميلة يعجز عنها الكثيرون، وذاك الموهوب في أي مجالٍ كان، رياضي أو فني، فهو أيضًا يقدم رسالة، وكلما كثُر عقلاء البشر كُلما قل أقزامهم، هذه رسالة لكل صاحب محتوى:
أبْهِرْنا بما لديك، ولا تترك مجالًا للتافهين، كفانا حماقات.
الشهرة الحقيقية هي أن تكون معروفًا في السماء. (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) (يس: (26

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى