المقالات

مبادئ وأخلاقيات المحامي السعودي في الشريعة والقانون

المُحاماة مهنة عظيمة ورسالة سامية؛ فهي مهنة الشرف والنبل والأمانة، وتتطلب من أي شخص قرر أن يمتهن المحاماة أن يلتزم بالقانون والمبادئ التي أقرها المشرع للمهنة من أجل الحفاظ على سموها قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(النساء: 135).
ومعنى أن تكون محاميًا هو أن تُكرس حياتك لمهنة المحاماة؛ لتصبح هي جزءًا لا يتجزأ منك وأن تكون لديك رؤية شاملة لمعنى المحاماة قائمة على الإيمان بالحرية والعدالة والمساواة؛ فتلك هي رسالة المحامي والمعنى الحقيقي للمحاماة؛ وبناءً عليه فإن المحامي مطالب بالمحافظة على حقوق موكله والدفاع عنها ببذل الوسع؛ انطلاقًا من كونها رسالة إنسانية سامية، ولكنها ليست بالمجان أو تطوعية لنصرة الحق والعدل، وإنما بمقابل مادي ومهما كان ذلك المقابل المادي؛ فلن يساوي الجهد المبذول والمعاناة التي يواجهها المحامي ولا يخلو عمل المحامي من الأعمال الخيرية المجانية لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة وأسر الشهداء، ومن تثبت حاجته للمساعدة وهذا الجانب يزيد من أعباء المحامي ومتاعبه ولا شك في أن هذه المهنة لا يُقاس عائدها بمال؛ ولذلك سمي ذلك المقابل الذي يتقاضاه المحامي بالأتعاب، وقد بيَّنت الشريعة الإسلامية التكييف الفقهي لعقد المحاماة فاعتبرته عقد معاوضة، ويأتي على عدة مسميات كالوكالة والجعالة والإجارة، وقد اتفق الفقهاء على أن عقد الوكالة بغير عوض جائز، ولكنه غير لازم فيمكن للمحامي التخلي عنه في أي وقت ويجوز للمتعاقد فسخه في أي وقت بينما تعطى الأجرة إذا كانت المحاماة إجارة أو جعالة، ويشترط فيها أن تكون معلومة وأن تكون مما يُباح وينتفع به لغير حاجة كما يجب أن تكون مملوكة للموكل، ولديه القدرة على تسليم الأجر ومن المخالفات لأصول وقواعد المهنة أن يمارسها البعض بدون إدراك لأصولها أو بدون رخصة تُتيح للمحامي العمل بموجبها، وقد ينظر لها البعض على أساس تجاري بحت وتلك فئة قليلة يسمون (بالدعوجية أو الوكلاء)، وهؤلاء يسيئون للمهنة وللمحامين وقد تنبهت الجهات المعنية للضرر الذي يلحقه هؤلاء بالمهنة؛ فأصدرت وزارة العدل مشكورة تعليمات للحد من ضررهم، ومما يجب على العاملين في مجال المحاماة التكاتف مع الجهات العدلية للحد من تواجدهم في إطار مهنة المحاماة لما يسببه وجودهم من مشاكل وإساءة للمهنة وروادها والمنتسبين إليها، ومعنى ذلك أن لا يقع المحامي فيما يخالف قواعد المهنة أو ما تضمنته نصوص أخلاقيات المهنة سواء أثناء ممارسة المحامي للمهنة وحتى في حياته الخاصة؛ فلا يقوم بعمل يتعارض مع النصوص النظامية؛ فهو المتتبع لما صدر من أنظمة وتعليمات وأخلاقيات للمحامي السعودي يجدها بالطبع تتميز عن مثيلاتها في المجتمعات الأخرى باعتبار أن القوانين في أي مجتمع هي نتاج ثقافة ذلك المجتمع ومبادئه التي يقدسها وتقوم حياته عليها، ومما يميز المحامي السعودي والأنظمة التي صدرت بشأنه والأخلاقيات المنظمة لعمله أن تلك الأنظمة والأخلاقيات تتفق مع الشريعة وتنبع منها، ويظهر ذلك جليًا في النصوص النظامية، وما يصدر من ولي الأمر -حفظه الله- من أوامر جميعها تحت سقف الشريعة وتتفق معها، ويعتبر ما يخالفها باطلًا بطلانًا صريحًا، وتلك من نعم الله على الوطن والمواطن في هذه البلاد المباركة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين مهندس الرؤية ٢٠٣٠، والتي اشتملت على خطط تطوير المرافق العدلية واحتياجاتها لخدمة مرتادي تلك المرافق وللتسهيل والتيسير على المواطن والمقيم، ومما تجدر ملاحظته أن الأنظمة والإجراءات والأخلاقيات قد تضمنت نصوصًا صريحة لحماية المتعاملين مع المحامي من استغلال لنفوذه ضدهم أو لتعمد إيذاء الآخرين أو تعدي الإطار العام للأخلاقيات المنصوص عليها بما يؤدي إلى المساس بشرف المهنة بصفة عامة وسمعة المحامي بصفة خاصة كما جاء في أخلاقيات المحامي صراحة التأكيد على ضرورة الالتزام بالنزاهة والاستقامة والاعتدال واحترام كافة الأطراف، وبناء الثقة والأمانة والسرية والتحلي بالأخلاق الفاضلة والحيادية، وتجنب مناصرة الظالم استجابة لتعاليم الدين والنصوص النظامية قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)(النساء: 105)، ومن البديهي في أعمال المحاماة الشفافية بأن المحامي لا يعطي العملاء وعودًا بالنتائج؛ فتلك بيد القاضي ومما يساعد المحامي على إنجاز ما وكل فيه هو قدرة العميل على احترام وقت المحامي، وتمكينه من إنجاز مهامه دون إزعاج أو إرباك.
ولأن مهنة المحاماة حديثة في مجتمعنا إلا أنها قفزت قفزات جيدة نحو التطور والعالمية بفضل الجهود المميزة والمستمرة لوزارة العدل، ويحسن بنا أن نشير إلى ما قاله السنهوري في إحدى مذكراته عن هذه المهنة العظيمة حيث قال:
(المُحاماَة فَنّ قَبْلَ أَن تَكُون مِهْنَة .. لِيس المُحامُونَ مُحامِيْنَ كَلَهِم بِالضَرُورَة ..ولِيس عَمَل المُحامِي فَقَط مَعْرِفَة القانُون .. فَالكَثِير يُعَرِّف النُصُوص حَتَّى مِن غَيَّرَ المُحامِيْنَ .. لكن حَقِيقَة دَوْر المُحامِي تَكْمُن فِيَّ دَرّاسَة الوَقائِع كَدَرّاسَة القانُون وَالنَظَر إِلَى ما يَمْثُل هٰذِهِ الوَقائِع فِيَّ نَصَوْص القانُون..وأضاف أن المُحاماَة فَنّ الحُجَّة وَالجَدَل وَالبُرْهان وَالإِقْناع .. فَقَدَ كَان رُوّاد الفَلْسَفَة مُحامِيْنَ بِما يُمَلِّكُونَ مِن حُجَج وَلُغَة عالِيَة وَنَظْرَة ثاقِبَة .. وَكَثِير مِن الشَعْراء كانُوا مُحامِيْنَ بِما يَمْتَلِكُونَ مِن أَدَوات اللُغَة وَالبَلاغَة وَالفَطِنَة .. فَلَيْسَ عَمَل المُحامِي الفَصْل فِيَّ النُزّاع إِنَّما هُو عَمَل القاضِي .. ولِيس مِن عَمَل المُحامِيْنَ قَلَّبَ الثَوابِت أُو تظليل الحَقائِق .. فَلا تُشْعِر بِالفَخْر كَثِيرًا عَنْدَما تَوَزَّعَ الرَشاوَى لِكَسْب القَضايا لِأَنَّكِ أَصْبَحتِ مُجْرِمًا بِسَبَب مُجْرِم فَأَنَت إِذْن مِثْلهُ لِأَنَّكِ تُخْسِر ذاتكَ لِتَرْبَح قَضِيَّة .. فَالقَضِيَّة رابِحَة وَ سَتُكَوِّن أَنَت الخاسِر..
ولا تَسْرِق حُقُوق زُمَلاءكَ المُحامِيْنَ وَإِن تَنافَسَهُم بِصُور غَيَّرَ مَشْرُوعَة فَهٰذا أَقْرَب لِلدَناءَة وَأُبْعِدَ ما يَكُون مِن الأَخْلاق الرَفِيعَة الَتِي هِيَ أَساس مَهَنتُكِ
لا تُكْذَب وَلا تُعْطِ الوُعُود فَأَنَت لَسْتِ صاحِب قَرار وَلُستَ مَسْؤُولًا عَن النَتائِج .. وَقَبْلَ ذُلّكَ كُلّهُ كَنَّ إنســانًا لِتُكَنّ مُحامِيًا .. لا تُكَسِّب دَعْوَى وَتَخْسَر نَفِسَكَ ..)
أختم هذا المقال راجيةً أن يجد القارئ بعض الإجابات على ما يُتبادر إلى ذهنه من تساؤلات عن مهنة المفاجآت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى