آراء متعددةالمحلية

ليال قدسي لـ«مكة»: إقصاء المرأة عن مجالس الأندية يكشف غياب الحوكمة والعدالة

رغم كل الحديث عن تمكين المرأة في المملكة، ما زالت مجالس إدارات الأندية الرياضية تشهد إقصاءً ممنهجًا وواضحًا للعنصر النسائي، في مشهد يعكس غيابًا حقيقيًا لتفعيل الحوكمة الرشيدة ومعايير الشفافية والعدالة، ويتعارض بشكل صارخ مع مستهدفات التمكين، بحسب ما أكدته المستشارة القانونية وخبيرة الحوكمة والأسواق المالية ليال قدسي لـ «صحيفة مكة». وأوضحت قدسي أن هذا الإقصاء يكشف أيضًا عن ضعف الامتثال للمعايير الدولية كالمعيار ISO 37000 الخاص بحوكمة المؤسسات، الذي يُلزم بالتنوع في القيادات وتعزيز ممارسات المساءلة والشفافية، متسائلة: «هل نحن أمام خلل مؤسساتي مقصود أم ثقافة تقليدية متجذرة ترفض الاعتراف بكفاءة المرأة في مواقع اتخاذ القرار؟ وهل تتجاهل المؤسسات الرياضية قوانين الحوكمة التي تلزم بالمساواة وتعزز الشفافية في اختيار القيادات؟».

وذكرت في سياق حديثها: في ظل الاستراتيجيات المتعددة لتطوير الأندية الرياضية، من اتخاذ القرارات الحاسمة، إلى جذب التمويل وتحفيز الأداء، لا تزال مشاركة المرأة غائبة عن معادلة النجاح. رغم كل الخطط التي تُعلن عن تعزيز الشمول والتمكين، تُحصر مجالس الإدارة في إطار ذكوري، وهو ما يُعد إخفاقًا واضحًا في الالتزام بمعايير الحوكمة الرشيدة التي تؤكد على الشفافية والتنوع والشمول. وتشير دراسة حديثة أجرتها جامعة هارفارد للأعمال بعنوان “Diversity Matters” (2018) إلى أن الشركات التي تضم تنوعًا في مجالس إدارتها تحقق أداء مالي أفضل وتقل لديها مخاطر الحوكمة مقارنة بتلك التي تفتقر إلى هذا التنوع. ويؤكد التقرير أن غياب التوازن بين الجنسين في مراكز اتخاذ القرار يعرّض المؤسسات إلى مخاطر استراتيجية وتنظيمية قد تؤثر على استدامتها ونجاحها على المدى الطويل.كفاءة مُهمّشة… لا غائبة. هل بعض أعضاء مجالس الإدارة يرون الرياضة حكرًا ذكوريًا؟ أم لأن هناك اعتقادًا متجذرًا بأن “المرأة” لا تفقه في الشأن الرياضي”، وكأن الإدارة تعتمد على القوة البدنية لا على الكفاءة الذهنية.

وذكرت قدسي: بأن غياب التنوع في مجالس إدارة الأندية لا يمثل مجرد إقصاء للمرأة، بل هو تقويض متعمد لركائز الحوكمة الرشيدة التي تقوم عليها أي مؤسسة ناجحة. إن استبعاد نصف المجتمع من مواقع اتخاذ القرار يعني فقدان الأندية لفرص ذهبية في الابتكار، تعزيز الكفاءة، وتحقيق توازن استراتيجي في السياسات الإدارية والاستثمارية. الحوكمة الحقيقية لا تحتمل هذا النقص، فالتنوع ليس خيارًا بل ضرورة جوهرية لضمان شفافية الأداء، نجاعة القرارات، واستدامة النجاح. تشير دراسات عالمية، من بينها تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي 2023، إلى أن المؤسسات التي تتمتع بقيادة متنوعة تحقق أداء مالي أعلى بنسبة 30%، وتكون أكثر قدرة على مواجهة المخاطر وتحقيق النمو. تجاهل هذا الواقع في الأندية الرياضية ليس فقط تقصيرًا إداريًا، بل خسارة استراتيجية جسيمة تهدد تنافسيتها ومستقبلها في سوق رياضي عالمي يتطلب مرونة واحترافية عالية.

وترى قدسي: المفترض أن مبادئ الحوكمة، التي تقوم على الشفافية، التنوع، والعدالة، تُلزم الأندية بتركيبة إدارية تعكس تنوع المجتمع. فإذا كانت الأندية تُدار دون تمثيل نسائي، فنحن أمام خلل جوهري في تطبيق الحوكمة نفسها، خصوصًا إذا لم يُوجد أي مبرر قانوني يمنع وجود المرأة في المجلس الإدارة.

وتوصي قدسي: بضرورة مشاركة المرأة في مجالس إدارة الأندية الرياضية عبر الحوكمة،وتبني سياسات حوكمة واضحة للتمثيل المتوازن. كذلك وضع لوائح داخلية تلزم مجالس الإدارة بتضمين نسب تمثيل نسائية محددة، تماشيًا مع أفضل الممارسات الدولية ومتطلبات الهيئة السوق المالية السعودية، والامتثال لمعايير الحوكمة العالمية (ISO 37000) تطبيق معايير الحوكمة المؤسسية التي تؤكد على الشفافية والمسؤولية والتنوع، مما يعزز بيئة عمل عادلة تمكّن المرأة من المشاركة الفاعلة. وتوصي بتصميم برامج تطوير خاصة بالمرأة لتعزيز مهارات القيادة والإدارة الرياضية، وإعدادها لتولي مناصب مؤثرة داخل الهيكل الإداري، وإطلاق آليات مراقبة وتقييم دورية
إنشاء لجان مستقلة لمتابعة تنفيذ سياسات الحوكمة المتعلقة بالتمكين، مع تقديم تقارير دورية تعزز المصداقية وتضمن المساءلة.

وختمت قدسي حديثها: لم تعد المسألة مسألة تمكين المرأة، بل تمكين المنظومة من التحرر من العقلية الإدارية التقليدية، والانفتاح على مبادئ الحوكمة والكفاءة والتنوع وعلى المستثمرين محليين كانوا أو دوليين أن يعوا جيدًا أن بيئة لا تعترف بالكفاءة لمجرد اختلاف الجنس، هي بيئة لا تحترم معايير الحوكمة ولا تستحق الثقة أو التمويل. فالاستثمار الذكي لا يضخ أمواله في مجالس تُدار بعقلية الإقصاء، بل في كيانات تُبنى على العدالة والتنوع والقدرة. وإن بقيت الأندية أسيرة لهذه الذهنية الإقصائية، ففشلها المالي والإداري ليس احتمالًا… بل حتمية قادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى