يشهد عصرنا الحاضر بعض الفتور في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، نتيجةً للحساسية المُفرطة بين بعض الأشخاص، والتي تنشأ عن سوء الفهم لبعض المواقف بسبب التأويل الخاطئ أو التقدير غير الدقيق لأمور لم تقع في الواقع، وإنما حُمِلَت على سوء الظن وسوء الفهم.
كما قال جبران خليل جبران: «بين منطوقٍ لم يُقصد، ومقصودٍ لم يُنطق، تضيع الكثير من المحبة».
وقد وسّعت وسائل التواصل الاجتماعي هذه الهُوّة، لتشتعل الفتنة بين أطراف العلاقة بإغواء من شياطين الإنس والجن، فعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي ﷺ يقول:
«إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»
رواه مسلم.
ونتيجة لذلك، حدثت القطيعة بين الزملاء في العمل، والجيران في الحي، والأصدقاء، والأقارب. وهذه القطيعة حذّر منها النبي ﷺ، فعن أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
«لا يحلّ لرجلٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»
رواه البخاري.
ويترتب على ذلك ما يتعرض له الطرفان المتقاطعان من شحناء وتوتر وضيق وقلق وعدم ارتياح، وشعور داخلي يفتقد إلى الطمأنينة والاستقرار النفسي.
وتكون القطيعة أشد خطرًا وأكثر فتكًا وأعظم ذنبًا حينما تصيب صلة الرحم فتقطعها، لأن جزاء هذه القطيعة وخيم، كما قال سبحانه في سورة محمد:
﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: 22]
وعن أبي محمد جُبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
«لا يدخل الجنة قاطع»
قال سفيان في روايته: يعني قاطع رحم، متفق عليه.
وبالنظر إلى أسباب هذه القطيعة والفجوة العظيمة، نجد أنها غالبًا بسيطة وعادية، ولكن غياب الحوار – الذي يُعد من المفاهيم الأكثر رقيًا في التعامل بين الناس – يجعلها تتفاقم. فالحوار يهدف إلى تصحيح المفاهيم، أو نقل المعرفة، أو حل المشكلات، وهو وسيلة مهمة لتعزيز التفاهم بين الناس.
وللحوار دور فاعل في حل النزاعات وزوال المشكلات وإزالة الشحناء والبغضاء والإصلاح بين الناس، كما يسهم في تقريب وجهات النظر واستدامة المودة والمحبة. فهو وسيلة ضرورية في حياتنا اليومية، ولا سيما بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي وسّعت محيط العلاقات عبر الإنترنت.
ونظرًا لأهمية الحوار، أنشأت الدولة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني (ويُعرف اليوم باسم مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري)، وينفّذ هذا المركز عدة أدوار، منها نشر ثقافة الحوار وترسيخها بين أفراد المجتمع.
وما أحوج الناس اليوم إلى الحوار، لكثرة العلاقات وتشعّبها وتداخلها. فالأب بحاجة إلى الحوار مع أبنائه وبناته وزوجته وجميع أفراد أسرته، وكذلك المدير والرئيس في العمل مع مرؤوسيه وموظفيه، والمعلم مع طلابه، والجميع مع بعضهم البعض.
فالحوار مُصحّح للطريق، ومُزيل للَّبس، ومُحصّن فعّال لجودة العلاقات الاجتماعية والإنسانية، ولإدامة المحبة والمودة والألفة بين الناس.
يُعد الحوار مضادًّا فعّالًا ضد القطيعة، فلو أن أحد المتقاطعين ناقش الآخر واستفسر منه عن أسباب فتور العلاقة، وتحاورا وتناقشا، لما حدثت قطيعة، كما قيل:
«المصارحة صابون القلوب».
ولو حدثت القطيعة – لا قدّر الله – فإنها بالحوار ستنجلي وتزول، وتعود المياه إلى مجاريها الطبيعية.
فالحوار فيتامين فعّال لاستدامة المودة والمحبة والألفة، وقيمة إنسانية عظيمة في تعزيز أواصر المحبة ومدّ جسور التواصل بين أفراد المجتمع.
وأخيرًا، لو أن كلا المتخاصمين تحاورا، لذاب الخلاف كما يذوب الملح في الماء.
📍 المدينة المنورة