
(مكة) – حوار عبدالرحمن عبدالقادر الأحمدي
تواصل صحيفة مكة الإلكترونية لقاءاتها الرمضانية ، والإلتقاء بعدد من الشخصيات المجتمعية الفاعلة لنستعيد معهم ذكريات الماضي وبداياتهم العملية في تلك الحقبة الزمنية الهامة .
ضيفنا اليوم الدكتور عدنان محمد وزان ، نتعرف معه على بعض الجوانب من حياته العملية.
– في البدء نتعرف على ابن مكة المكرمة؟
أستاذ دكتور الشريف عدنان بن محمد بن عبدالعزيز بن سعد الوزان الحسني وولدت في مكة المكرمة عام 1379 هجرية.
– في أي حارة كانت نشأتكم ؟
الحديث عن الحارات والأحياء في مكة المكرمة كمايراه بعض الناس ليس قضية اجتماعية محدثة أو خاصية أوجدها المكيون منذ مائة عام،بل هي مسميات لتراث تأريخي لمكة المكرمة، فلهذه الحارات بمسمياتها الأصلية منها ماوجد في الإسلام ومنها ماوجد قبل الإسلام وهي تعبر عن تراث أصيل..وكانت للأسواق في مكة المكرمة خاصية تخصصية عظيمة في حياة المكيين فالأسواق موزعة في نواحي مكة بحسب نوعية التجارة، فكانت أسواق القماشة في سويقة وتحدها حارتان: حارة الشامية حوارة القرارة، وكان هناك زقاق الصيرفة وهم الذين يعملون في صرف العملات الأجنبية، وكذلك أسواق النحاس والعطارين… وهذا في حارتي القرارة والشامية .. بالقرب من شارع المدعى.. وغيرها من الأسواق -ستفصل في حلقات خاصة لاحقا إن شاء الله تعالى – نشأت في حارة القرارة ضمن عوائل الأشراف التي كانت تتخذ من حارة القرارة مركزا لهم مثل آل: زيد ، وذوي فتن، وذوي إدريس الذي تنتمي إليها أسرتي وبعض البراكيت وبعض العبادلة..وذوي يحي..
– أين تلقيتم تعليمكم ؟
تلقيت تعليمي العام بمكة المكرمة،فقد درست الابتدائية بمدرسة الرحمانية والإعدادية (المتوسطة) بمدرسة الرحمانية-نسبة إلى الإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود- والثانوية في مدرسة الملك عبدالعزيز الثانوية.أما المرحلة الجامعية..بكالوريوس لغة إنجليزية وآدابها جامعة الملك عبدالعزيز ودبلوم اللغة الإنجليزية جامعة أدنبره ودكتوراه فلسفة أدب مقارن (إنجليزي- عربي- فرنسي) جامعة أدنبره بالإضافة إلى زمالة البحث العلمي.
– ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة ؟
الذاكرة تحمل أحداث من عراقة الحارة التي هي من عراقة الأمة: الصدق والوفاء والحشمة والتواصل والمواساة والمحبة والمودة وبالجملة الاستقامة على الدين إيمانا وتوحيدا شرعا وفقها.
-في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية.. ماذا كنتم تأملون حينها؟
-تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة ومتينة..ماهي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت؟
لقد كانت تربية الأبناء مبنية على أسس قوية بسبب التعاون بين المدرسة والبيت وأعضاء الحارة وعلى رأسهم عمدة الحارة وعلمائها ووجهائها . وكانت المدرسة متواصلة مع البيت ( أسرة الطالب ) والمعلم والمدرسة مهتمان بالطالب ومتواصلان مع البيت والطالب يحترم البيت ويحترم المدرسة ويحترم المعلم ، دون خوف أو خشية؛ لأن العلم كان مطلب وهدف ولم يكن وسيلة وسبيل فحسب.!
-في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد المكية في تكوينها ما أبرزها؟
إن تشكيل صفات الإنسان في مكة المكرمة لم تكن علاقتنا في الحارات المكية فحسب ، بل كانت من العلاقات المكية القائمة على نهج أحكام الإسلام ومقاصده ومن أبرزها احترام الكبير واحترام العلم والمعلم..فقد كان بين أهل مكة الأوائل كل الاحترام للكبير وللأقرباء والمعلمين والعمد وحميع المجاورين من كبار الحي رجال ونساء..فالمجاور إذا أراد أن يجاور في مكة تكون المجاورة لقدسيتها وآداب وأحكام المجاورة بمكة المكرمة منزل الوحي ومورد السنة طلبا للأجر والثواب فيما يوافق الكتاب والسنة. معتقدين بأهلها لا يقصدون مال ولاجاه ولا إثراء ولا رياء بعرض الدنيا والمال مال الله وإنما طاعة لله ورسوله.
-الحياة الوظيفية..أين كان لشخصكم القدير أول بداياتها وآخرها؟
كان أول عمل وظيفي لي معلم لمادة اللغة الإنجليزية في مدرسة الملك فيصل النموذجية المتوسطة بمكة المكرمة، وتدرجت في الوظائف الحكومية فعملت وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من عام1415 – 1422هـ ، ثم عينت عضوا في مجلس الشورى.. من عام 1428-2426 ثم عضوا في هيئة السياحة والآثار ثم مديرا للجامعة أم القرى من 1430-1428هجرية.
– شهر رمضان و شهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها.
شهر رمضان..العشر الأولى للجزارين: إذ فيها يقبل الناس على شراء اللحوم بأنواعها والطيور أيضا،…والعشر الثانية من رمضان فيطلق عليها عشرة القماشين وخلال هذه الأيام المباركة تشترى الأقمشة للذكور والإناث والأطفال لتجهيزها للعيد السعيد…اما العشرة الأخيرة فهي عشرة الخياطين وفي خلالها يشتد التزاحم والرجاء تلو الرجاءات في أن تكون الخياطة جيدة وحلوة…أما الحلاقون فإن الزحام يبدأ عليهم في الخمسة الأيام الأخيرة.
– تغيرت أدوار عُمد الأحياء في الوقت الحاضر وأصبحت محددة..كيف كان سابقا دور العمدة في الحي ؟
مكانة عمدة الحارة وتواصله مع أبناء الحارة في الأفراح والأتراح وتنظيم حياة الناس في المجتمع والصلح بين المتخاصمين وإصلاح ذات البين وتسديد الديون وإعانةالمعسرين والرحمة بالأرامل والأيتام ورعايتهم..،ويكون هو ممثل أمام ولي الأمر في الأمارة والشرط والمحاكم.
ومن أشهر العمد: عباس عاليا.. عبدالله بصنوي..يوسف مكاوي..عابد محي الدين..عبدالقادر الجمباز.. عبدالرحمن وسعد طفران..وعبدالرحمن الغامدي.. ومحمد حياة..ومحمد طلال بن حسان.. وعبدالعزيز وعبدالله وزان وعبدالله أبو الريش..والزهراني..وعبدالقادر جانشاه وعلي نحاس..وغيرهم من العمد.
-القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور الملفت في الحارة ؟
كان من أبرز القامات الاجتماعية والتجارية والاقتصادية الخالدة ذكراهم: الشيخ عبدالله محمد بصنوي،والشيخ طه ياسين خياط، والشيخ صالح عيسى بوقري، والشيخ حسين محمد جستينيه، والشيخ عبدالكريم طيب، والشيخ صادق سراج طيب، والشيخ علي قائد،والشيخ حمزه هرساني ،والشيخ محمد عبدالعزيز وزان،والشيخ محمود الماس، والشيخ عمر بافرط، وغيرهم كثيرون معروفون ومشهورون من العلماء والقضاة والمفتين.
-هل تتذكرون موقف مؤثر حصل ولا ينسى؟
فمثلا في إحدى زيارات الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لمكة المكرمة صادف وفاة أحد رموز مكة المكرمة المعروفين الشيخ إبراهيم بن صالح بن عمر أحد مطوفي المجاورة في حارة القشاشية،فاجتمعوا أهل الحارة احتفاء بقدوم الملك عبدالعزيز ، ولكن على غير المعتاد بدون أهازيج ولا أنوار للزينة ولا ضربا للدفوف إكراما لميتهم واحتراما لأسرته الحزينة لحقوق الدعوة عملا بقوله عز وجل(تبارك الذي بيده الملك..الأية) .. فلما رأى الملك عبدالعزيز بفطتنته الحزن في عيون الحاضرين سأل عن السبب فأخبروه بوفاة الشيخ إبراهيم بن صالح فقدم واجب العزاء..وأشاد بأهل مكة في مثل هذه المواقف شاكرا لهم حسن وقفتهم مع بعضهم في الأفراح والأتراح.
-المدرسة والمعلم والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف المختلفة..هل تعرفونا علي بعض منها؟
كانت المدرسة متواصلة مع البيت (أسرة الطالب) والمعلم والمدرسة مهمتنا بالطالب ومتواصلان مع البيت والطالب يحترم البيت ويحترم المدرسة ويحترم المعلم دون خشية ؛ لأن العلم كان مطلب وهدف ولم يكن وسيلة وسبيل فحسب.
-كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان.. ماهي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق؟ وما أثرها على أفراد المجتمع آنذاك ؟
من أهم وسائل الإعلام في تلك الحقبة كان المذياع ومن بعد التلفاز، والصحف السيارة والمجلات الإعلامية والمجلات الثقافية والتي كانت تباع في المكتبات الثقافية التي أنشأها الشيخ صالح بن محمد جمال ورفاقه رحمهم الله جميعا، وبارك في أعمار أبنائه الذين رعوا المكتبة ومنهم الدكتور فايز جمال والأستاذ ماهر وكانت بالقرب من أبواب الحرم المكي. وكذلك مكتبة المعرفة التي أنشأها الشيخ عبدالرزاق بليلة -رحمه الله- من المربين المكيين المعروفين وكانت الكتب تباع في شنط وليس لها محل مخصص والآن أصبح لها محل مخصص.
-تظل للأ فراح وقفات جميلة لاتنسى في الحي..ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة ؟ وكيف كانت ؟
كانت تتم الأفراح في مكة بالتكاتف والتراحم والتواصل الاجتماعي الحميم الملئ بالمودة والرفق، وكان الجيران يفتحون بيوتهم لضيوف أهل الزواج إخاء ومحبة، وكان الجيران حريصون كل الحرص على أن لايظهروا بالملابس البهية الجميلة التي تبدو أجمل من ملابس أهل الفرح( الزواج) حتى لا يشعروهم بنقصهم وقلة ذات أيديهم.
– الأحزان في الحياة سنة ماضية..كيف كان لأهل الحي التخفيف من وقعها ؟
كان الجيران يتحملون ويتكلفون متطلبات العزاء من إطعام المعزين وإكرامهم.. جبرا للخواطر وإحسانا ومودة عملا بسنة رسول الله صل الله عليه.
– ماهي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها حارة القرارة؟
من أشهر الألعاب الشعبية في مكة المكرمة: الغناء اليماني وأصله في أهل الشبيكة ثم انتقل من الشبيكة إلى القشاشيةوأخذوا صيته..وانتشر في سوق الليل وشعب عامر، ومن أنواع الغناء (الرفيحة) غناء البادية ،وهو غناء الزير (الضرب على الزير) وأداء الأبيات الشعرية مع الأهازيج ،وغناء المجرور، وغناء الجوك لدى أهل القشاشية بالطبول والدفوف، ثم ظهرت أنواع مختلفة من المعازف التي جلبت من مصر والشام وتركيا مثل الكمان والعود، وكان هناك بعض مشاهير المغنين أمثال: طارق عبدالحكيم ،ومحمد علي سندي، وعمر باعشن وفؤاد زكريا، وفؤاد بنتن ، وفهد أبوحميدي ،وكان هناك من يعرضون المجسات والموالات أمثال: حسن جاوة، وحسن لبني، وعبدالرحمن مؤذن، ومنصور بغدادي الشريف.
-لو كان الفقر رجلا لقتلته مقولة عظيمة لسيدنا علي رضي الله عنه..هل ترون بعضا من قصص الفقر المؤلمة ؟
كان سليمان بن عبدالله شبانة مسافرا طلبا للرزق تاركا أهله القصر في حارته في شعب علي في منزل خرب فخاف على بناته فلما علم أصحابه وأهل حارته بأمر سفره جمعوا له مائة جنيه ذهب واشتروا له دارا أسكنت فيه أسرته فلما رجع قدموا له صك شراء الدار باسمه في شعب علي التابعة لآل المريعاني في الأصل ..وآل المريعاني من الأسر العريقة في مكة المكرمة.
-ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة؟
لابد من عودة كل العادات الطيبة والأخلاق الفاضلة التي بدت تندثر في جيل اليوم !.
-بصراحة..مالذي يبكيكم في الوقت الحاضر ؟
المال الذي طغى على الأمة ودثر كل ماهو جميل من حسن معاملة وطيب معشر وقيم وتعارف ومودة ومحبة.!
-ماذا تحملون من طرف جميلة في دواخلكم؟
كان أحد مشايخنا في الحرم المكي الشريف يحرص على أن يكون من ذوي اللحى..فذات يوم أحرج الشيخ أمام طلابه شيخ آخر لذلك الطالب فقال ذلك الشيخ مجيبا أن فلان ليس من بني (لحيات) حتى يربي لحيته.وكان للشيخ نفسه موقف مع ابن أحد الأثرياء فعاب عليه أنه لم يهتم بلحيته أسوة بأبيه فأجاب الابن قائلا : “مولانا الشيخ لم أربي لحيتي مثل أبي لأنني تركتها لأكون مثل أمي”! .
-من تقولون لن ننساكم؟
المربين والمشايخ وأهل المعروف والإحسان من عظماء ورجالات مكة الذين دون التاريخ سيرتهم العطرة وحسن سلوكهم وأدبهم وما حبون به من تربية كريمة أمثال: الشيخ حسن بن محمد مشاط ، والشيخ محمد نور سيف في المسجد الحرام ، ومربين كرام أمثال : الشيخ عبدالله محمد يماني ، والشيخ محمد السليمان الشبل المربي القدير والفاضل الأديب الأريب أمد الله في عمره، والشيخ عبدالواحد طاشكندي وهو أحد معلمي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود أمد الله في عمرهم جميعا آمين آمين.
-ولمن تقولون ماكان العشم منكم ؟
لمن تخلوا عن القيم والمودة والمحبة من أهل مكة ! .
-التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. تقولون لمن سامحونا..وتقل لمن سامحناكم؟
لكل من لم نتذكر وقد أساؤوا حسدا وحقدا وأذى. والحمد لله رب العالمين.








باختصار…عندما تقرأ مثل هذا الكلام منزهؤلاء العمالقة تحس اننا في زمن اقزام في كل مواقف الحياة