الحرمين الشريفين

الدكتور عبدالمحسن القاسم في خطبة الجمعة بالمسجد النبوي: آداب الاعتكاف هي حفظ اللسان وغض البصر وكف الأذى واغتنام الوقت وتفريغ القلب والإقبال على الطاعة

هاني قفاص-مكة المكرمة

أم وخطب بالمصلين اليوم الجمعة 1443/9/21 الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف ، وبعد الحمد والثناء لله عز وجل بدأ فضيلته الخطبة بقوله : أيها المسلمون إدارك مواسم الخير من نعم الله العظيمة، وشهود الأزمنة التي يضاعف فيها ثواب العمل الصالح من علامة إرادة الله بعبده الخير، ومهما طال عمر العبد فهو قصير، وفي مواسم الخير من مضاعفة الأجور وكثرة الثواب ما يعادل الزيادة في العمر، والفسحة في الأجل ، والمواسم التي اختارها الله لعباده تتفاوت مراتبها، وتتفاضل منازلها، والعبرة فيها بكمال النهايات لا ينقص البدايات، والأعمال بخواتيمها.

وبين فضيله بقوله : ومن أدرك رمضان وأمكنه الله من صيامه وقيامه فقد وهب فرصة فاتت كثيراً من الخلق، فإذا فسح له في أجله حتى بلغ العشر الأواخر منه فقد خص بما يتحسّر على فقده، ويحزن على فواته؛ لإعطائه مهلة يزداد فيها من الخير، ويستغفر فيها من ذنوبه، ويستدرك ما فاته، ويصلح ما فرط فيه، ويعمل من الصالحات ما ترتفع به مرتبته في الجنة ، والعشر الأواخر من رمضان هي تائج الشهر وخلاصته وواسطة عقده، العبادة – خير من العبادة في كل ليالي العام سواها، فيها ليلة القدر التي أنزل الله فيها القرآن العظيم كاملاً إلى السماء الدُنيا { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ *} إنها ذات الشأن العظيم ، والمنزلة الرفيعة .

واضاف فضيله ؛ ليلة يقضي الله فيها بين خلقه، ويحكم بينهم، ويكتب أقدار عام كامل من أعمارهم، فيفضل من اللوح المحفوظ إلى الملائكة الكاتبين أمر السنة، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها، قال سبحانه: { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ *أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا*} ، ليلة إيكثر فيها بأمر الله تنزل الملائكة من السماء لكثرة بركتها، { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } ، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن العظيم ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم تعظيماً له ورضاً بما يصنع.

وبين فضيله : وقيام ليلة القدر مع التصديق بثوابها واحتساب أجرها: جزاؤه مغفرة الذنوب كلها، قال صلى الله عليه وسلم:« مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » متفقٌ عليه ، وقيامها يكون بالصلاة فيها والدعاء والذكر والاستغفار ونحو ذلك، ومن محرم بركتها وخيرها فهو محروم، قال صلى الله عليه وسلم: «فيه – أي : في رمضان – لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ » رواه أحمد.

وأوضح فضيلته : وكل عبادة شرعت في رمضان فهي ممتدة إلى آخر ليلة منه، وهي في العشر أكد، فعلى المسلم أن يكون حرصه عليها أعظم، فيشرع فيها مع صيام النهار : قيام الليل لا سيما مع الجماعة؛ ف« ف«إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» ، ويشرع فيها: كثرة الذكر والدعاء، والمداومة على قراءة القرآن، والإحسان إلى الخلق بأنواع الصدقات، وتفطير الصائمين، وسد حاجات المعوزين، وصلة الأرحام وبرّ الوالدين والإحسان إلى الجيران، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم.

ونوه فضيله بقوله : وقبل ذلك وبعده: لزوم الثوبة الصادقة، ودوام الإنابة وخضوع القلب لخالقه، وتعاهد النفس بالتركية والإصلاح والتهذيب، فلا تنفع كثرة عبادة مع قلب فاسد، ولا يغني كد البدن في الطاعة شيئاً إذا لم يكن الباطن طاهراً، والقلب سليماً.

ونادى فضيله بقوله أيها المسلمون : فالعمر رأس مال العبد، والنفس الذي يتردد في صدره إذا خرج لم يعد، والتفريط في اللحظة الواحدة من لحظات الأزمنة الفاضلة غين وخسارة، فلا تفرط في شيء من أوقات ليلك أو نهارك في هذه العشر، واحرص على أن لا يراك الله إلا في طاعة، فإن ضعفت عن فعل الطاعة فإياك أن يراك الله على معصية، وإياك والمجاهرة بالكبائر، أو التساهل في الصغائر، وإياك والتهاون في أداء الواجبات والأوامر، وأعظم الواجبات بعد التوحيد: أداء الصلاة في وقتها، واحفظ جوارحك في كل وقت عن المحرمات، واستكثر من نوافل الصلاة والذكر والدعاء، وأحب كلام ربك وأكثر من تلاوته، قال صلى الله عليه وسلم: «اقْرَؤوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ » رواه مسلم.

وأكمل فضيلته الخطبة الثانية بقوله : أيها المسلمون من رغب أن يحيي سنة الاعتكاف فعليه أن يتأدب بما يجب عليه من الآداب في هذا المقام من حفظ اللسان وغض البصر وكف الأذى واغتنام الوقت وتفريغ القلب والإقبال على الطاعة والذكر والدعاء والاستغفار واجتناب الكلام إلا فيما ينفع ، فمقصود الاعتكاف عكوف القلب على الله تعالى وجمعيته عليه وخلوته به والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه ليصادف العبد ليلة القدر وقد شغل ساعاتها بأنواع الطاعات مع دوام الإخبات وحضور القلب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com