المقالات

الحج عرفة

يوم عرفة يوم عظيم عند الله، وهو خير يوم أشرقت عليه الشمس يوم ‏ ‏يباهي الله بحجاج بيته الحرام ‏ملائكته في السماء، وقد أتوا ‏شعثًا غبرًا من كل فج عميق مؤمنين ملبين دعوة إبراهيم الخليل-عليه السلام- يستغفرون ربهم ويرجون رحمته؛ ‏فتتنزل عليهم الرحمات، ويفوزون برضوان الله ومغفرته حتى لا يرى يومًا يعتق الله فيه من عباده من النار كيوم عرفة، ومن أتم الله حجه ورزقه حجًا مبرورًا كان جزاؤه الجنة، وقد جمعهم الحج، وساوى بينهم على صعيد واحد، وقد أذهب عنهم العصبيات والنعرات، وأزال الفوارق العرقية والثقافية والمذهبية، وأظهرهم للناس أمة واحدة.
‏ففي اليوم التاسع من ذي الحجة يقف الحجاج بعرفات والوقوف بها هو ركن الحج الأهم ‏يقول -صلى الله وعليه وسلم-: (الحج عرفة ) ‏ولا حج لمن لم يقف بها في الزمان المعين والمكان المحدد ‏اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أداء النسك.
‏فإنه-صلى الله عليه وسلم- بعد ‏أن صعد إلى منى يوم التروية، وبات بها ليلة التاسع ‏دفع بالمسلمين بعد شروق شمس يوم عرفة من منى إلى عرفات، ونزل في نمرة في سفح جبل نمرة حتى الزوال ثم ‏هبط إلى وادي عرنة موضع صدر مسجد نمرة المعروف اليوم، وخطب في الناس خطبة عظيمة أبان فيها كثير من معالم الإسلام، وعظم عليهم حرمة دمائهم  وأموالهم وأمرهم بالتمسك بكتاب الله، وصلى بهم الظهر والعصر جمعًا وقصرًا ‏بأذان واحد وإقامتين، ‏‏ثم ثم دفع بهم الى جوف عرفة بجوار جبل الرحمة (قرين عرفة) مستقبلًا بالصخرات التي في سفحه ‏القبلة والجبل أمامه يمينًا، وهو راكب القصواء رافعًا يديه بالتلبية والدعاء، وقد قال: وقفت هنا وعرفة كلها موقف، إلا أن موقفه أفضل لمن استطاع، ولم يقف -عليه السلام- على الجبل وليس للوقوف عليه مزية عما سواه من أرض عرفة، وقد أمر الناس بالارتفاع عن عرنة، وهو الوادي الذي يحدها من الغرب.
وفي عشية ذلك اليوم، وهو يوم الجمعة التاسع من ذي الحجة سنة ١٠هـ ‏نزلت آية كمال الدين وتمام النعمة وهي قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)  ‏قال يهودي لعمر بن الخطاب لو نزلت علينا هذه الآية لاتخذنا يومها عيدًا.
وظل بموقفه عليه السلام حتى الغروب مفطرًا لا صائمًا حاثًا الناس على الدعاء والتضرع وأفضله قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
والوقوف بعرفة من زوال اليوم التاسع حتى فجر العاشر في حدود مشعرها؛ فمن وقف خارجها لا حج له.

وتقع عرفة شرق مكة على بعد أكثر من (٢٠) كم ولحدودها علامات ظاهرة جددتها حكومتنا السعودية مشكورة كما جددت حدود حرم مكة، وبقية المشاعر لما يرتبط بها من أحكام الحج والحل والحرم.
وقد قيل ‏سميت عرفة بهذا الاسم لالتقاء آدم وحواء بها وتعارفهما فيها بعد إخراجهم من الجنة، وقيل لقول جبريل عليه السلام، ‏وقد طاف بخليل الله إبراهيم -عليه السلام- على المناسك والمشاعر يعرفه بها وهو يقول: (أعرفت أعرفت).
ومن معالمها جبل نمرة الذي نزل عنده ‏-صلى الله عليه وسلم-، ومسجد نمرة؛ حيث نزل وصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخطب وصلى بالناس، وجبل الرحمة المسمى بجبل عرفات وبقرن عرفة  والنابت الذي وقف النبي عنده، وهو علامة عليها وعلى الموقف النبوي.
وبفضل من الله أصبح الحجاج اليوم يؤدون ‏حجهم في يسر ورخاء وأمن بما ‏وفرته حكومتنا السعودية الرشيدة من خدمات راقية متكاملة وشاملة ‏في مكة والمشاعر المقدسة، وقيادة مباشرة ‏لمواكب الحجيج من سمو أمير مكة المكرمة خالد الفيصل بن عبد العزيز في هذا الموقف العظيم، ورعاية سامية لموسم الحج من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -يحفظهما الله-.

——————-
أستاذ كرسي الملك سلمان بن عبد العزيز
لدراسات تاريخ مكة المكرمة – ‏بجامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com