تحقيقات وتقارير

قصة حياة “البابا شنودة” منذ الطفولة وحتى لحظة الوداع الأخيرة

 

140 كتابا تتضمن خبراته وعظاته وحكاياته مع السادات ومبارك

كتب النثر والشعر وأحب الزجل والقصائد الفكاهية

 

القاهرة: محمد بربر

كتب عديدة أرخت لسيرة البابا شنودة, وتعرضت لقصة حياته, وربما كان هناك أرشيف متكامل حول قصة حياة البابا شنودة منذ فترة الطفولة وحتى لحظة الوداع الأخيرة, وفى الوقت الذى يتردد فيه أن البابا كان يدون يومياته كما كان حريصا على إثراء المكتبة العربية بكتبه التى بلغت حوالي 140 كتابا منها كتب تتضمن تجاربه وخبراته وبالتالي توجد مادة غنية وتاريخ دقيق عن حياة البابا منذ الطفولة وحتي دخوله الدير واعتلائه كرسي مارمرقس , على رأس كتب البابا كتابه«كلمة منفعة» الذي يقدم فيه أقوالا حكيمة و«انطلاق الروح» الذي نشر فيه قصائده ومقالاته وتجاربه الروحية الأولي وكتاب «خبرات في الحياة» من جزءين والذي قدم فيه طريقة قراءة لبعض الأمور والمواقف و«بدع حديثة» الذي انتقد فيه بعض الشخصيات وأفكارها، إضافة إلي عدد كبير من الحوارات الصحفية والتليفزيونية التي أجراها البابا عند خروجه من الدير حيث كانت إسهامات البابا شنودة للمكتبة العربية، والتى بدأها بدراسة التاريخ الفرعوني والإسلامي والتاريخ الحديث، ثم تابعها بدراسة اللاهوت القبطي، وانتهاء بتدرجه فى السلك الكنسي وصولاً إلى تنصيبه بطريرك الكرازة المرقصية والأب الروحي للكنسية المصرية.

 

حوارات الكتاب مع البابا

غير أن العديد من الكتاب والباحثين قدموا مؤلفات عن البابا شنودة, وكان من أشهر ما كتب الحوارات التي بدأها الكاتب الصحفي محمود فوزي والذي ألف العديد منها مثل «البابا شنودة وحوار محظور النشر» الذي دار حول علاقة البابا بالسادات و«البابا وتاريخ الكنيسة القبطية» والذي سرد جزءا كبيرا من تاريخ الكنيسة القبطية وحياة البابا., وكتاب «البابا وأقباط المهجر» الذي قدم نشاط البابا الكرازي وتأسيسه لكنائس المهجر و«البابا ومحاكمة القساوسة» الذي عالج بعض المشاكل الداخلية بالكنيسة.

وقدم عبد اللطيف المناوي كتاب «الأقباط والكنيسة أم الوطن.. قصة البابا شنودة»، كما قدم محمود فوزي «البابا كيرلس والبابا شنودة» والسجل المصور لقداسة البابا لأمين جبرة، وكتاب سمير كرم «قداسة البابا شنودة الثالث أدبياً ومفكرا» و«هؤلاء أحبهم البابا» للقمص سمعان إبراهيم وكتاب أنور محمد «السادات والبابا» »، وكتاب «سناء السعيد»، «البابا شنودة دين ودنيا» وكتاب عماد الدين أديب «قصة حياة البابا شنودة» أضف إليها كتاب رجب البنا «الأقباط في مصر والمهجر» و«الأقباط في وطن متغير» لغالي شكري، بالإضافة إلي كتاب الأنبا موسي «البابا والتعليم والتربية الكنسية» وإسحاق إبراهيم «25 سنة في تاريخ الكنيسة»، وكلها تعد بديلا قويا لمذكرات البابا.. فهي لم تترك جزئية صغيرة كانت أم كبيرة إلا وتعرضت لها.. فهناك كتب حتي لنكت البابا شنودة مثل «اضحك مع البابا شنودة» للقس هدرا وديع، والذي جمع فيه مداعبات وفكاهات البابا.

وحول ذكريات البابا شنودة فى فترة الإقامة – أو التحفظ – بالدير. قال قداسته للكاتب الصحفي محمود فوزي  فى «كتاب حوار محظور النشر» ما يلى:

“إنني بطبيعتى أحب الدير وحياة الهدوء والسكون وحينما صرت راهبا لم يدر بخلدى إطلاقا أنني سأنزل مرة أخرى لأتولى عملا فى العالم وكنت أود أن أنمو فى حياة الوحدة لكى أصل إلى أعماقها، والرهبنة كما أعرفها هى انحلال من الكل وأتذكر آخر قصيدة كتبتها وأنا فى طريقى إلى الدير وهى تأمل فى درجة من درجات الرهبنة وهى درجة السواح الذين يعيشون تائهين فى البرارى والقفار الذين لا يعرفون أين هم، ولا يعرف العالم عنهم شيئا فيتفرغون كلية إلى الله”.

وبحسب ما قاله المؤرخ الكنسي «نشأت زقلمة» مؤلف موسوعة «باعث النهضة في الكنيسة المعاصرة» فإنه يوجد أرشيف متكامل حول قصة حياة البابا شنودة منذ فترة الطفولة موضحا أنه قدمه فى موسوعة من أربعة أجزاء، الجزء الأول قدمت فيه قصة حياته من الطفولة وحتي الأسقفية والثاني يحتوي علي باكورة مقالاته والتي تم نشرها في المجالات المسيحية وحملت توقيع «نظير جيد» في الفترة من (1947-1951)، والثالث مقالات كتبها البابا وتم نشرها بمجلة مدارس الأحد بنفس التوقيع في الفترة من (1954-1955)، والجزء الرابع والذي حمل اسم «الأسد المرقسي» وتناولت فيه اختياره وتتويجه للبطريركية وكيف حدثت القرعة الهيكلية, موضحا أن تجميع المقالات التي حملت توقيع (نظير جيد) استغرق نحو «5» سنوات.

 

أقباط المهجر يحاكمون البابا شنودة

وكتب القمص ميخائيل جرجس كاهن كنيسة الملاك بدمنهور السجل التاريخي للبابا شنودة في «15» جزءًا، يتجاوز الجزء الواحد منها 300 صفحة من الحجم الكبير الذي يبدأ بميلاد البابا ويحتوي علي كل الأخبار الخاصة بالبابا والتي نشرت بمجلة الكرازة وكل ما كتب عنه فالقس ميخائيل سخر حياته لتدوين كل ما يخص البابا وهناك أيضا «حصاد السنين» الذي صدر في جزءين والذي جمع المقالات التي كتبها الأساقفة والكهنة عن البابا وأعده الدكتور رسمي عبد الملك والدكتور إسحاق عجبان.

ويوضح الدكتورة إسحاق عجبان، أستاذ التاريخ بمعهد الدراسات القبطية أن هناك أكثر من 100 كتاب صدرت عن البابا شنودة مثل حوارات للبابا مع بعض الكتاب مثل رجب البنا ودرية شرف الدين وسناء السعيد تغطي جميع الأحداث، إضافة إلي حوالي «140» كتابا هي مؤلفات البابا تضم آراءه وخبراته وتجاربه.

فى سياق متصل, كانت هناك بعض الكتب التى صدرت ضده وكتبها مؤلفوها ينتقدون مواقف وحياة البابا شنودة, منها «محاكمة البابا شنودة» لموريس صادق و«أموال الكنيسة» للقس إبراهيم عبد السيد و«محاكمة البابا شنودة علي الإنترنت» و«الكنيسة وسنوات الضياع» خاصة بعد التصريحات الأخيرة التى أساء فيها بعض أقباط المهجر لمصر وأرادوا اللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية حتى تطرف البعض فى تصريحاته وهدد باللجوء إلى إسرائيل وهى الفترة التى شهدت توترا فى العلاقات بين البابا شنودة وأقباط المهجر.

وكانت بداية البابا شنودة مع الشعر من كتاب “أهدى سبيل إلى عِلمى الخليل” لمحمود مصطفى وهو من الكتب القديمة فى الشعر، والذى تعلم منه البحور والقوافى ونظم الشعر المختلفة، حيث تحولت قصائده التى كتبها فى فترة الدارسة عن مواقف واحتفالات مختلفة إلى قصائد روحية وأشعار دينية بعد سلوكه درب الرهبنة وتم تلحين بعضها، وأصبحت ترانيم شهيرة، كما نظم البابا شنودة ما يقارب 47 قصيدة، وكان من أشعاره الأولى فى عام 1946 قصيدة ذلك الثوب، وغريب، وأبواب الجحيم، وفى عام 1947 قصيدة أبطال، أما فى السنوات الأخيرة من حياته التى تزامنت مع مرضه كتب عدة قصائد فى عام 2008 منها أحبك يا رب فى خلوتى، وحُرِمت الجبال، ويا إلهى.

 

علاقته بالسادات ومبارك

يحكى الدكتور مصطفى الفقي الذى كان مسئول الاتصال بين الرئاسة وقيادة الكنيسة عن علاقته بالبابا شنودة وذكرياته ومواقفه معه قائلا: ” البابا شنودة شخصية حكيمة, قلما يجود الزمان بمثلها, كان يحفظ آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية, وذات يوم أحضر أمامي معجما لألفاظ القرآن وتفسيرها, ولم أكن وأنا المسلم, قد اطلعت علي مثل هذا الكتاب من قبل, هكذا كان البابا متسامحا بصيرا, متسلحا بفهم عميق لروح الحضارة العربية, مثلا عقب أحداث العمرانية, اعتكف في دير وادي النطرون, واصطحب معه ماكينة الغسيل الكلوي في إشارة إلي غضبه مما جري واستعداده للبقاء أطول فترة, وذهبت إليه محاولا استرضاءه وإصلاح الأوضاع وإعادته إلي المقر البابوي, وجلسنا معا وبصحبتنا الأنبا موسي والأنبا يؤانس والأنبا أرميا, وعرضت عليه حلولا قبل بعضها, وتم إطلاق بعض المسجونين من الأخوة الأقباط, وقد حكي لي البابا أن الرئيس السابق مبارك عرض عليه اعتبار عيد القيامة أجازة رسمية لكل المصريين, فرفض البابا شنودة, وقال له: لا يا سيادة الرئيس, إن المسلمين والمسيحيين متفقون علي عيد ميلاد السيد المسيح, أما عيد القيامة فمحل خلاف لا نريد له أن يتصاعد, وعلي العموم يوم شم النسيم يأتي في اليوم التالي, فيجمعنا جميعا, وكان رجلا نادرا فقد كان رجل دين وشاعرا وصحفيا ومؤرخا وكاتبا ومثقفا.. شخصية ذات وزن في كل الاتجاهات, واحتفظ بصداقات مع المسلمين, من ثم ليس غريبا أن يحزن عليه المسلمون والمسيحيون, في مصر وفي غيرها”.

وأضاف الفقى أن البابا شنودة بذل لضبط الأعصاب والحرص علي سلامة الوطن ووحدته, لوعيه بأن العقائد تتعلق بالإيمان وقلوب مشبوبة بالعاطفة, وبأن العلاقة الطيبة المتينة بين مسلمي مصر ومسيحييها هي حصن الأمان لكل المصريين, لذلك كان البابا عنصر توازن وحكمة واعتدال يبادر ويتحرك, وتابع: ” دخلت عليه يوما وهو يملي رسائل لأبنائه في المهجر, حتي لا ينصتوا إلي الشائعات التي تتسرب إليهم دون أساس من الحقيقة عن أوضاع الأقباط في مصر, وأحيانا تعرض البابا لانتقادات خارجية علي أساس أنه مسالم أكثر مما ينبغي, وقد قمت بزيارة لواشنطن في2009 وآلمني أن جزءا كبيرا من معلومات أقباط المهجر غير صحيح تماما”.

ويحكى البابا شنودة عن رحلته من المدرسة وحتى اعتلائه كرسي مارمرقس قائلا: ” في سنة 39 أيضا كان لها حدث تاريخي أيضا في حياتي، لأنني بدأت التدريس في مدارس الأحد سنة 39 عرض عليها من احد الخدام القدامى, وكانت أول كنيسة ادرس فيها هي كنيسة العذراء في مهمشة وكانت هي كنيسة الكلية الاكليريكية وقت ذاك، ثم بعد ذلك بدأت أدرس في فروع كثيرة من فروع مدارس الأحد بالقاهرة في كنيسة مارمينا بشبرا وكنيسة العذراء بشبرا وكنيسة مسرة اسما لان كنا في ذلك غير مسموح لنا أن ندرس مدارس الأحد في الكنيسة، كان كاهن الكنيسة يعتبر مدارس الأحد ضد النظام وضد الهدوء، فكنا ندرس في جمعية مجاورة، وفي سنة 46 بدأت أدرس في كنيسة الأنبا أنطونيوس ثم صرت أدرس الفصل الكبير فيها أي الفصل الذي يحضره مدرسون أو إعداد مدرسين”.

البابا شنودة يحكى مذكراته

يضيف البابا شنودة فى مذكراته: “انتهيت من الثانوية ودخلت كلية الآداب، وفي قسم التاريخ هناك كنت متفوقا في دراستي وكنت الأول في السنة الأولي وقضيت فترة دراستي بالجامعة بالتعليم المجاني، كانت الجامعة بمصروفات في ذلك الوقت، وكنت أيضا قد تعلمت بجوار الشعر, الزجل والموال والشعر الفكاهي وأشياء كثيرة من هذا النوع فكنت ادعي إلي حفلات الكلية وكنت اعرف أن الطلبة يحبون الفكاهة فكانت غالبية قصائدي من النوع الذي يضحكهم بل كنت أقف علي المنبر فيضحكون قبل أن أقول شيئا لأنهم يتوقعون شيئا مرحا بالنسبة إلي”.

ويتابع: ” في سنة 46/47 كنت في تلك السنة ادرس في فروع مدارس الأحد وادرس في مدرسة إنجليزية وكنت ادرس في مدرسة ابتدائية وكنت طالبا في الكلية الأكليريكية وكنت طالبا في كلية الآداب وتخرجت سنة 47 وفي نفس الوقت تخرجت من كلية الضباط الاحتياط وكنت أول دفعتي، فترة الجيش علمتنا أشياء كثيرة, منها النظام والجدية في الحياة وخدمة الإنسان لنفسه إلي ما فيها من فوائد صحية أيضا يتميز بها كل ضباط الجيش, وكنت جادا جدا في عسكريتي وكنت محبوبا من زملائي, ثم تخرجت سنة 49 وكنت أول الخريجين بالقسم الليلي الجامعي وعينت بهيئة التدريس بالكلية وأصبحت حياتي حياة تكريس تقريبا ما عدا سنتين أو ثلاث قضيته في التعليم الثانوي, وازداد نشاطي جدا في مدارس الأحد، حتي كنت أدرس في العديد من الفصول، وفي كثير من اجتماعات الشباب، وصرت عضوا باللجنة العليا لمدارس الأحد. وصرت رئيسا لتحرير مجلة مدارس الأحد، وصرت مدرسا بمدارس الرهبان بحلوان”.

ويحكى البابا شنودة عن رحلته إلى الرهبنة بقوله: “لم أدخل إلي الرهبنة سئما من الحياة أو عجزا عن مسيرتي فيها ,فقد كنت ناجحا جدا في حياتي وأنا علماني ,وكنت مكرسا لله، وكانت تأتيني دعوات للوعظ خارج القاهرة في كثير من المحافظات، وكنت أعظ في الكنائس، وكنت محبوبا، وكنت خادما ناجحا في مدارس الأحد، ولكن كل هذا ما كان يشبع قلبي إطلاقا، كنت اشعر بأن في قلبي فراغا لا يملأه إلا الله، ولعلكم تذكرون انه من ضمن مقالاتي تحت عنوان انطلاق الروح، مقالة عنوانها لست أريد شيئا من العالم، وهذه المقالة نسكية إلي حد بعيد، قلت فيها لست أريد شيئا من العالم لان العالم ليس فيه شيء يشبعني – بينما قداسة البابا يتكلم تظهر مشاهد مصورة لجنود إسرائيليين يقوم بتصويب بنادقهم وإطلاق رصاصاتهم ضد الفلسطينيين – لو كان ما أريده في العالم لتحولت الأرض إلي سماء ولكنها مازالت أرضا كما أري, مقالات انطلاق الروح كانت مقالات ممهدة للحياة الرهبانية”. و في 18 يوليه 1954 رسم نظير جيد روفائيل راهبا باسم أنطونيوس السرياني ليغيب عن العالم ويسبح في عالمه الخاص.

 

وصية البابا: احفظوا وصايا الله

كان الأنبا بيشوى قد كشف عن أن البابا شنودة الثالث كتب وصيته قبل شهرين من رحيله داخل المقر البابوي، في وجود الأنبا باخوميوس مطران البحيرة، ونيافة الأنبا صرابامون أسقف دير الأنبا بيشوي، ورفض أن يعلم أحد بتك الوصية إلا بعد رحيله.

و قدم الأنبا يسطس رئيس دير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، الوصية التى تركها قداسة البابا شنودة الثالث قبل نياحته، وقال البابا فى الوصية “يحب بعضكم بعض وتعملوا بوصايا الله، وأن تفعلوا الخير من أجل الإنسانية، وأن تحفظوا الله فى قلوبكم، وأن يكون طريقكم دائما تتذكروا فيه مخافة الله”.

وأوصى رعية الشعب أن يحافظوا عليهم ويخدموهم بكل حب، وأن يحفظوا وصايا الله فى خدمتهم.

وقال البابا في وصيته «أسأل المسيح أن يقيم لكم راعيا صالحا فحسب قلبه يرعاكم، كما أنني يا أبنائي لم أخف عنكم يوما من الأيام أي شيء من كلام الله، فقد بعدت عنكم ورحلت عنكم الآن وأسألكم أن تتعبوا من أجل الصلاة عني والذكر وليس في نفسي أي حزن من أي أحد منكم».

وأشار البابا في وصيته إلى أن هناك العديد من المخاطر التي تحيط بنا جميعا، وعلينا أن نتجاوزها بالمحبة والتسامح والإخلاص في العبادة والطاعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى