أبرز الأخبارالسلطة الرابعةتحقيقات وتقارير

صلاح عيسي .. سيرة مقاتل في بلاط صاحبة الجلالة

بقلم: محمد بربر

يظل الكاتب المصري صلاح عيسى واحدًا من الصحفيين الذين حملوا على عاتقهم مهمة الدفاع عن حرية الصحافة، طوال مشواره المهني في بلاط صاحبة الجلالة، مؤكدًا بقلمه ومواقفه أن المهنة التي تتهدد بالإرهاب والقيد والمنع في العالم، تستحق أن ينتصر لها محبوها وأن ينفقوا الغالي والثمين من أجل ذلك.

ومنذ صغره، عاش صلاح عيسى المولود في العام 1939، بإحدى قرى محافظة الدقهلية في دلتا مصر، بين تيارات مختلفة، في أسرة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، فعمه عضو في حزب “مصر الفتاة”، ووالده ينتمي إلى “الوفد”، بينما أبناء أعمامه ينتمون إلى جماعات الإسلام السياسي، لكنه مع هذا كله، كان يعتقد أن الخطر الرئيسى على حرية الصحافة هو الإرهاب، وأن أوضاع الصحفيين الاقتصادية والاجتماعية يجب أن تكون في أفضل حالاتها.

الصحفي طفلا

وكان صلاح طفلا يحب القراءة ويوفر من نقوده لشراء الكتب على اختلاف أنواعها، حتى بدأ مشواره كاتبًا للقصة القصيرة قبل أن يتوقف، بسبب انشغاله بالحركة السياسية في مصر في الستينيات، وأصبح يؤمن بأن العمل المباشر هو الذي سيغير العالم وليست القصص والروايات.

التحق صلاح عيسى بعد ذلك بالصحافة، ليعمل في مجلة “المجتمع العربي”، وتحديدًا في قسم التحقيقات، قبل أن ينتقل للكتابة في جريدة “المساء” التي كانت تحظى بجماهيرية كبيرة في هذا التوقيت، وفي العام 1965 جرى اعتقاله وهو ابن 26 عاما بسبب كتابته مجموعة مقالات، ولم يكن وحده الذي طاله الاعتقال من الكتاب والصحفيين، فكان معه سيد حجاب ورؤوف نظمي وجمال الغيطاني، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قررت الجريدة فصله من العمل.

وداخل السجن لم يتوقف عيسى عن الكتابة، فانتهى من مجموعة قصصية عنوانها  (جنرالات بلا جنود ) فضلا عن روايته الوحيدة (شهادات ووثائق في خدمة تاريخ زماننا) وبعد خروجه نشر كتابه “الثورة العرابية” عام 1972.

لكن الرجل قدم في سلسلة “حكايات من دفتر الوطن” التي صدرت في الثمانينيات سلسلة يسرد فيها التاريخ المصرى بأسلوب أدبي، محاولا إحياء الذاكرة الوطنية، يقول صلاح عيسى: “لأننا نشأنا في جيل مدرسته الإعلامية في الكتابة التاريخية تكتب التاريخ من وجهة نظر منحازة وتسعى إلى تشويه كل ما سبق 23 يوليو، لذلك تصورت أن من واجبى أن أستكمل ما بدأه بهاء الدين ولم يتمكن من إنجازه، وعندما عين رجاء النقاش رئيس لتحرير مجلة الإذاعة دعانى للكتابة فيها فعرضت عليه مشروعى فرحب به، وكتبت أول حلقة ونشرت لى لكن توقف النشر بعد أن ترك رجاء المجلة بعد مايو 1971 وتوقف المشروع”.

سلسلة من الفصل التعسفي

واجه صلاح عيسى أزمة فصله من الجريدة، بعد خروجه من السجن، وقرر أن يعمل بدون ذكر اسمه في إعداد برنامج إذاعي في إذاعة الشعب، حتى أصدر مصطفى بهجت بدوى قرارا بتعيينه في جريدة الجمهورية عام 1972 وعندما اشتعلت المظاهرات قبض عليه وخرج وعند مظاهرات 18 و19 يناير حاولت الشرطة القبض عليه لكنه هرب تسعة أشهر ثم قبض عليه وفصل من صحيفة الجمهورية بشكل نهائي.

وبعد وفاة الرئيس الراحل محمد أنور السادات عمل في جريدة الأهالى، ثم أضرب عن الطعام في نقابة الصحفيين، مطالبا بالعودة إلى جريدة الجمهورية، فعاد هو ورياض سيف النصر ليتقاضى مرتبه فقط دون أن يكتب فى الجريدة حرفًا واحدًا.

وترأس صلاح عيسى فى وقت لاحق تحرير جريدة القاهرة، وصدر له 20 كتاباً فى التاريخ والفكر السياسى والاجتماعى والأدب منها: تباريح جريح، ومثقفون وعسكر، ودستور فى صندوق القمامة، رجال ريا وسكينة، ورحل عن عالمنا فى 25 ديسمبر من العام 2017.

أحلام محترف تفاؤل

المثير للدهشة أنه كتب مقالا في العام الذي توفي فيه تحت عنوان “أحلام محترف تفاؤل”، نشرته “المصري اليوم”، يقول فيه: “لأننى – كما كان أستاذنا كامل زهيرى يصف نفسه – «متفائل محترف»، فقد قررت أن ألقى وقائع عام 2016 الذى ينتهى عند منتصف الليل خلف ظهرى، وأن أكسر وراءه «قلة» أو «زير»، وأن أستقبل عام 2017 بالأحضان، وأعلق فى عنقه – فضلاً عن أحلام العمر الكثيرة التى لم تتحقق – الأحلام التى أُحبطت خلال العام الذى انقضى، وأن أبوس كفى ظهراً لبطن لأن الرقم 2017 – على العكس من 2016 – لا يقبل القسمة على أربعة، وهو ما يدعو للتفاؤل بأنها لن تكون سنة «كبيسة»، كما كانت سابقتها التى ترحل اليوم فى ستين داهية!”.

ويضيف عيسى قائلا: “إننى متفائل بأن العام 2017 سوف يكون العام الذى يدرك فيه الجميع – حاكمين ومحكومين – أن الديمقراطية قد أصبحت قدر هذا المكان، كما أصبحت قدر البشرية كلها فى هذا الزمان، وأن مصر لن تتخلص من مشاكلها المعقدة والمتراكمة، إلا بمقدار ما تصم أذنيها عن أصوات البوم الزاعقة فى ربوعها، تدعو إلى إعادة ما كان إلى ما كان، وتحلم بـ«يوتيوبيا رجعية» تحيى العظام وهى رميم، وبمقدار سعينا جميعاً، لكى نرسى قواعد دولة مدنية ديمقراطية، تحول الوطن – كما كان شيخنا رفاعة رافع الطهطاوى يحلم – إلى محل للسعادة المشتركة بيننا، تبنيه بالعلم والحرية والمصنع، لا ينام فيه شبعان وجاره جائع، ولا يضحك فيه وجاره دامع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى