الثقافيةصالون مكة الأدبيمنتدى القصة

“وجه الشبه” قصة قصيرة للكاتبة دعاء البطراوي

تتألم كلما اصطدمت بنظرات الاستهجان في عيون من حولها! تتوارى خلف أمها كأنها تختبئ من جريرة لم تفعلها!

تهمس إحداهن للأم في استنكار:

_ معقول! هذه ابنتك ؟! لا تشبهك أبدا!

تضحك أخرى ضحكةً صفراء:

_ صدق المثل القائل “بنت المليحة فضيحة..”

أما أكثرهن تشدقا بالأحاديث والآيات تصيح في غضب:

_ اتقين الله … ما ذنبها أنها خُلقت على تلك الهيئة البشعة!

ألأم تنهرههن ساخطة، تقسم أنها لن تخرج معهن مرةً أخرى، فيصمتن على مضض ٍ ونظراتهن تلاحقن الصغيرة في كل مكان!

 

البنت تبحث عن وجه الشبه في مرآتها ، فلا تجد وجه أمها الحليبي ولا شعرها الحريري ولا حتى جسدها الملفوف! ترمي المرآة حانقة، فتتناثر أشلاؤها أرضا!

تضع يدها السمراء بجوار يد أمها الناصعة، تسأل في مرارة:

_ لماذا لا أشبهك؟

ثم تستنتج بصوتٍ باك:

_ ربما تم تبديلي حين وُلدت كما قالت صديقتُك! أو أنكِ وجدتنني على باب الجامع كما قالت الأخرى…

تحتضنها الأم في حنان، تهمس لها:

_ أنتِ ابنتي.. حبيبتي … قطعة مني…

يتكرر سؤال الابنة الحائر :

_ إذن لماذا لا أشبهك ؟

تطمئنها الأم:

_ ستشبهينني يوما ما… لا تقلقي.. الابنة لابد أن تشبه أمها…

تبتسم البنت متفائلة، تتراقص الآمال في مخيلتها الصغيرة، تتسع ابتسامتها حين ترى نفسها تركض ضاحكة وقد حملت وجه أمها الفاتن، فتغمض عينيها مستكينة.

 

الابنة تكبر، يستدير جسدها، تتخذ ملامحها جمالا مختلفا عن جمال الأم، لذا لم يعد السؤال السابق يشغلها، باتت أسئلة أخرى تلح على رأسها من حين لآخر، باغتت أمها وسألت:

_ أمي .. أنتِ جميلة جدا.. فلماذا تزوج أبي بأخرى؟!

تلألأت الدموع بعيني الأم، أجابت في نزاهة:

_ لأنه يحبها…

_ ولماذا لا يعيش معنا مثلما يعيش معها؟

_ لأنه لا يستطيع الاستغناء عنها…

_ولماذا لم تطلبي الطلاق؟

تنهدت الأم ، أجابت في قلة حيلة :

_ لأنني أحب أباكِ وأحبك أيضا… وأريدك أن تعيشي دون قلق…

_ لكن هذا ظلم لكِ.. لماذا تصبرين على كل هذا؟!

_قلت لكِ لأنني أحبه وأحبك ..

زفرت الابنة في غيظٍ مكتوم ، وسألت بنظرة ماكرة:

_ وهل أبي يحبك مثلما تحبينه ؟

ولت الأم وجهها الجهة الأخرى متألمة ، ولم تحرِ جوابا.

 

تتعاقب السنوات، تتزوج الابنة، تتحسس الأم أخبارها من بعيد، تتمنى لها أن تعيش الحب الذي لم  تعشه مع أبيها، يسعدها أن ابنتها تحيا حياة زوجية هادئة.. مستقرة، لكن سعادتها لم تدم طويلا! فقد جاءتها الابنة باكية ذات مساء، لقد اكتشفت أن زوجها كان يحب أخرى منذ زمن بعيد، ولكن أهله رفضوا زواجه بها لأنها مطلقة! وآثروا تزويجه ببكرٍ ليس لها حياة سابقة مع رجلٍ آخر.

 

تشعر الأم بنغزة في قلبها، تطلب من ابنتها أن تتركه فورا قبل أن يزدان رحمها بجنينٍ لا ذنب له، لكن الابنة تعترض في تحدٍ:

_ لن أتركه لغيري أبدا… أنا أحبه وسأعرف كيف أجعله يحبني… سأفعل كل ما في وسعي…. وحتما قلبه لن يخذلني…

 

تتهاوى الأم، تهتف في حسرة :

كم تشبهينني!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى