الثقافيةصالون مكة الأدبيمنتدى القصة

“الأرض المتسخة”.. قصة قصيرة للكاتب محمد شطا

لا تزال الأرض متسخة فلم أنظفها منذ زمن، ولن أفعل حتى أنني لا أمتلك مكنسة أو أي أداة قد تستخدم في التنظيف، ولن أفعل حتى ولو أصبح التراب المتراكم على في مستوى سريري والذي يرتفع عن الأرض قرابة سبعون سنتيمترا .. ببساطة، لا يمكن أن أتقبل فكرة تنظيف الأرض.

 

عندما كنت في الخامسة كنت شاهدا على أبي وهو ينصح والدتي ذلك النصح الزوجي الرقيق الذي يتضمن الحزام كجزء من أدواته .. كانت تصرخ وكنت أغمض عيني، حينما فتحت عيني لم تعد الأرض كما كانت من قبل من هنا ومنذ تلك الليلة قررت أنني لن أشارك أمي عملية تنظيف الأرض أبدا وحتى مماتي.

  

في العاشرة كسرت أحد أكواب المطبخ وعلى الرغم من أنه كان كوبا مشروخا كانت أمي تستخدمه لمعايرة الأرز فقط إلا أنها قررت أن تنصحني بنفس الطريقة التي استخدمها والدي من قبل مع اختلاف الأداة فقط، أعتقد أنها استخدمت الحذاء في هذه المرة أو أظن عصا الغلية .. في الحقيقة لم أعد أتذكر فقد كانت تنصحني كثيرا، وكلما ازداد نصحها لي كلما ازددت إصرارا على رفض عملية تنظيف الأرض. 

 

لم أعد قادرا على صد النصائح، خاصة مع هذا الكم الكبير منها والتي أتلقاها من الجميع، حتى أخي الصغير والذي كنت أحميه بجسدي من نصائح أبي وأمي قرر فجأة استغلال ضعف جسدي وقدم إلي نصيحة ما، أعتقد أن ذلك ذلك في سن الخامسة والعشرين وقتها كنت أسبقه في السن بخمس سنوات ولكن ذلك لم يمنعه من تقديم النصيحة لي، وما تزال النصائح تتوالى.

 

في سن الخامسة والأربعين وبعد وفاة أبي وأمي استطعت أن أشتري المنزل من أخي وأختي وذلك لأحرص على عدم تنظيف الأرض ليكون ذلك فيما بعد سببا لتجنب الجميع لزيارتي.. معذورون، فكيف يستطيع أحدهم زيارة منزل متسخا إلى هذا الحد! 

أنا الآن في الستين من العمر، أظن أنه يجب أن أكتب وصية ما فقد أموت وحيدا في أي لحظة .. لا أعتقد أنها ستكون وصية طويلة بل أنني حتى لا أعتقد أنها ستزيد عن بند واحد فقط. 

                                    

 (( بسم كل شيء جميل سمعت عنه فقط ولم أره في هذا المنزل قط، بسم كل

    نصيحة تلقيتها ولم أستفد منها أبدا.    

                                                   ثم أما بعد؛ 

 

   فليس هناك ما أوصي به ولكن هناك اعتذار واجب، فأنا أعتذر عن عدم 

   تنظيف المنزل طيلة حياتي.. آسف، ولكنني لم أستطع أن أفعل فلو أنكم 

   دققتم النظر كما دققت أنا لشاهدتهم ذرات كرامتي ملقاة في كل مكان تلقيت

   فيه نصيحة، ولأنني لم أستطع لملمتها فقد قررت ألا أنظف الأرض .. عذرا،

   فإن أقصى ما استطعت تحمله هو أن أتركها ملقاة على الأرض، أما أن أجمعها مع التراب أثناء التنظيف وألقيها في القمامة، فهو ما لم أحتمله أبدا )).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى