المقالات

تجاهل المُجرم والتثريب على الضحية

في أوقات الفتن المدلهمة تبرز الأصالة من الزيف، والإخلاص من النفاق، ويُهمش المنطق والعقل من أجل تسويق الشبهات والكذب والضحك على الذقون، خدمة لنجدة العمالة أو التزلف، أو الخيانة أو الانتقام.
والغريب أن من يتصدّى لهذه المهام، يفترض أنهم أعرف الناس بالحقيقة ورصد الأحداث وتحليلها وسبرها عن جدارة واستحقاق. إلا أن حمل بعض الكتّاب المتعالمين والوعاظ السُّذج المتفيهقين روح الانتقام المعتمل في نفوسهم الملوثة بالحقد، ساق إلى تصفية الحسابات الحزبية والفئوية، أو العمالة والبحث عن استلام فاتورتها مما يطلق عليها مصطلح (تليفون العملة) أو (حاملو الشنطة)، والتي انعكس صداها في قلب الحقائق وتزييف الواقع، والتناغم والاتساق مع الروح الصهيونية والصليبية المُعادية للعرب والمسلمين، ولا سيما في القضايا العربية والإسلامية الساخنة بما لم يعرف له في التاريخ المعاصر مثيلًا، لا بل إن عرب الجاهلية أشرف منهم أضعافًا مضاعفة، فقد تناسوا خصوماتهم ومعاركهم البينية، وتوحدوا في معركة (ذي قار) ضد الفرس وانتصروا عليهم، بينما نرى من يحمل شارة الإسلام، ويرفع شعار القومية العربية والحرية، ويتموضع في حمل رسالة القلم والتحليل السياسي كذبًا وزورًا، أو يمتهن حرفة الوعظ العقيم، ممن يرتحلون مطايا المنابر، يتقطعون جميعًا غيظًا وحنقًا من كل من يُناصر غزة من الكتّاب والمحللين السياسيين، ويصبون عليهم جام غضبهم، متجاهلين أن هذا الكاتب أو ذاك المناصر للمظلومية الفلسطينية ضد الحرب الصهيونية والصليبية على غزة والضفة الغربية وعرب الداخل منذ عام ١٩٤٨م حتى الآن، يتسق خطابه مع فقه السياسة الشرعية في الحرب ضد الأعداء، بينما يضرب المدافعون عن الصهاينة صفحًا عن ذكر أسطورة الصمود الفلسطيني في غزة، أمام جبروت وقسوة وحقد آلة الحرب الصهيونية والصليبية الإجرامية العاتية بقضها وقضيضها، فقد تداعت عليهم الأساطيل الغربية وحاملات الطائرات والبوارج العسكرية من كل حدب وصوب، والتي لم تأتِ للنزهة بقدر ما تحمل على متونها الموت الزؤام، بأعتى الأسلحة الفتاكة منذ قرابة ٣ أشهر تقريبًا، مما يصح تسميته بالحرب الأطلسية ضد غزة، ورغم ذلك كله لازالت المقاومة الفلسطينية في غزة صامدةً وقويةً، وتنال من الحلف الأطلسي الصليبي الصهيوني قتلًا لجنوده، وتدميرًا لآلته الحربية، مشفوعًا ذلك بالصوت والصورة، بينما تدمر قواتهم الغاشمة آلاف المنازل على رؤوس أهلها، وتقتل آلاف الأطفال والشيوخ والنساء، وتدمر البنية التحتية لمحافظة غزة، وتحرق الأخضر واليابس، ولا تتمعر وجوه هؤلاء الكتّاب والوعاظ ولا تعرق وجوههم حياء، لا بل يرفعون عقائرهم باللوم والتثريب وتحميل المسؤولية على الضحية (المقاومة الفلسطينية المغلوبة على أمرها)، متناسين ومتجاهلين المجرمين المعتدين الحقيقيين؛ ونظرًا لجهلهم بأحكام الجهاد المتوازنة والمعتدلة والوسطية، تناسوا أن فريضة الجهاد في الإسلام تنصرف إلى قسمين رئيسيين هما :
١- جهاد الطلب، والذي يستلزم الإعداد المادي والعسكري والإستراتيجي، وإذن الإمام أو القيادة السياسية، وتوفير الحد الوافي من ضمانات وأسباب النصر مما تطاله قدرات البشر، وهذا ما تفتقده إليه جماعات الإرهاب مثل داعش وبناتها، والتي اخترقتها أجهزة الاستخبارات المعادية للإسلام والمسلمين، بسبيل هذه الثغرات.
٢- جهاد الدفع، والباعث عليه الهجوم والغزو المباشر من العدو الخارجي لبلاد المسلمين واستهدافهم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وشعائرهم إلخ، فيلزم باتفاق علماء الإسلام أن على كل أهل بلد واجب دفع الصائل المعتدي عليهم بكل ما أُوتوا من قوة وعدم الاستسلام للعدو، وهو ما ينطبق على حال غزة والضفة والقدس المحتلة وعموم فلسطين اليوم؛ حيث استطاعت آلة الحرب الصهيونية الصليبية احتلال أجزاء فلسطين عنوةً بدعم من الغرب، منذ عام ٤٨، ٥٦ واستكملت احتلالها عام ١٩٦٧م ومازالت حتى الآن تحت نير الاحتلال الكلي مثل: القدس وبقية فلسطين، أو الجزئي مثل: الضفة وغزة، ومما يوغر صدور بعض الكتّاب والوعاظ، التحليلات العسكرية التي تنال من العدو الصهيوني، وتظهر المقاومة في غزة صامدة وثابتة لا تلين قناتها، رغم القوة العاتية للعدو؛ إذ يقدر المتخصصون أن قوة ما وُجه لغزة من شراسة وقسوة وتدمير من آلة الحرب الصهيونية الصليبية ما يُعادل (٣) قنابل نووية تقريبًا، ورغم ذلك لم يحقق العدو أي نصر ذي بال سوى قتل المدنيين، فكيف إذا كان ما يحدث في غزة من مثابرة وصمود وثبات حقيقة وليس كذبًا؟؟؟!!!، تمثلت في هزيمة نكراء للصهاينة والصليبيين وقتل مئات جنود العدو الصهيوني الصليبي، وآلاف مضاعفة من الجرحى، وتدمير مئات الدبابات والعربات العسكرية، دون أن يتم لهم ما أعلنوا عنه من هدف القضاء المبرم على المقاومة الفلسطينية في غزة وتحرير الرهائن، ويتجاهل هؤلاء الكتاب والوعاظ، تضامن وتعاطف أغلب الدول العربية وشعوبها، وشعوب العالم بما فيها الشعوب الغربية (سوى حكومات حلف الأطلسي الغربية)، وتأتي الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي أقامت ثلاث مؤتمرات من أجل غزة، ووظفت نفوذها العالمي من أجل إيقاف الحرب المسعورة في غزة، كما صرح بذلك نائب الأمين للأم المتحدة (ستيفان دوجاريك)، وقامت الأردن إبان الهدنة بإسقاط المساعدات على غزة جوًا، وتحاول قطر جاهدةً المنافحة عن أهل غزة، بإقناع أمريكا وربيبتها (إسرائيل) بالهدنة ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، وتقف مصر الكنانة أمام الضغوط الأمريكية، وترفض قبول تهجير شعب غزة إلى سيناء رغم الإغراءات المادية الهائلة، والعجيب من حال هؤلاء الكتاب والوعاظ أنهم يزمون ألسنتهم وأقلامهم القذرة عن ذكر جرائم الصهاينة والصليبيين المجرمين الذين لم يُعرف لها مثيل في تاريخ الإجرام، فقد تم قتل آلاف الأطفال والشيوخ والنساء، ووصل الأمر إلى قطع الماء والطعام والغاز والكهرباء عن سكان غزة، مما يثبت أن هؤلاء الكتاب والوعاظ يغردون خارج سرب الحكومات والشعوب العربية والإسلامية، ووجدانهم ومشاعرهم، وبقية شعوب العالم الحر، ولقد ابتلي العرب والمسلمون عبر التاريخ من يتجاهل خطورة الأعداء، ويتضامن معهم ضد العرب والمسلمين، وقد عرض القرآن الكريم مشاهد حية ممن يتعاطف مع اليهود ضد الرسول صلى الله عليه وسلم وينافح عنهم ويتآمر معهم، وتعددت المواقف المخزية لهذا الصنف العجيب الذي ينتسب للعروبة والإسلام كذبًا وزورًا، وما أشبه أمس بالبارحة، فقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصنف المارق بموالاة اليهود الذين نقضوا العهود، وحرضوا قبائل غطفان وقريش على محاصرة المدينة، وانتحلوا الأكاذيب للنكوص عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (رضي الله عنهم) كما قال سبحانه حكاية عنهم: (إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ) (الأحزاب: 13)، وقوله تعالى: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ) (المنافقون: 8)، وقوله تعالى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) (البقرة: 8)، وقوله تعالى: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة: 10)؛ وليقرأ المناوئون لغزة السيرة النبوية، ليدركوا مغبة خطورة مواقفهم المُخزية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com