التقنية والإعلام الجديدالثقافيةتحقيقات وتقارير

“التعلم الذاتي”.. مستقبل التعليم وسط متغيرات العصر

خبراء يوصون بـ إفساح المجال أمام الاستثمار في البنية التحتية الرقمية 

القاهرة – محمد بربر

أصبح العالم يتغير من حولنا بسرعة، بفضل التكنولوجيا التي أثارت الكثير من الجدل أخيرًا، خصوصًا بعد ظهور الذكاء الاصطناعي وآلياته وأدواته المتعددة المدهشة، وفي الوقت الذي يبحث فيه الأكاديميون والخبراء عن مستقبل التعليم في العالم عمومًا، وفي مصر خصوصًا، بما في ذلك البحث العلمي، فرض مفهوم “التعلم الذاتي” نفسه على العملية التعليمية، بل اعتبره البعض بمثابة تعليم المستقبل.

بوابة المستقبل.. بعيدًا عن التقليدية

ولم يعد الأمر يتوقف على ممارسة العملية التعليمية داخل القاعات الدراسية بالشكل التقليدي فحسب، يقول جيفري ألفونسو، أحد رواد تكنولوجيا التعليم الرقمي، وعضو مجلس “فوربس للتكنولوجيا”، إنه من الضروري إيجاد طرق فعّالة لاستخدام التكنولوجيا في الصفوف الدراسية، لتطبيق أحدث الممارسات التربوية التي تستشرف المهارات المطلوبة في المستقبل، سواء كان ذلك عن طريق التعليم النشط، أو التعليم الذاتي، على أن يكون المعلم مرشدًا للطلاب، يساعدهم في المخرجات الخاصة بكل مادة، كما يجب على واضعي المناهج زيادة تركيزهم على محتوى المعرفة التكنولوجية التربوية”.

ورغم تعدد التعريفات المتعلقة بالتعلم الذاتي، يمكن تعريفه بأنه عملية يقوم فيها الأفراد بتعليم أنفسهم؛ باستخدام أي مواد أو مصادر لتحقيق أهداف واضحة دون مساعدة مباشرة من المعلم، ويهدف التعليم إلى صقل المعارف المتوافرة عند المتعلم، أو إلى التعرف على معارف جديدة من غير الاضطرار إلى التسجيل في مراكز تعليمية أو جامعات.

وتشير دراسة بحثية نشرها هلين فشر، وفان آلين، إلى أن هناك حاجة عامة بين الأفراد من كافة الأعمار لبلوغ الاستقلالية في التفكير والعمل؛ أي: ليكون الواحد منهم فردًا، فالأشخاص لهم الحق في التفكير والحديث والعمل بأنفسهم، فهم يتوفرون على مصادر التوجيه الذاتي الداخلية، كما لهم الحق في استخدام هذه المصادر بمسؤولية في الاختيار والاستقلالية بصفتها قيمة الحياة التي تمكن الأطفال، الذين يلقون دعمًا من المغامرة والتنقيب والاستقصاء والتقويم بأنفسهم.

وفرض التعلم الذاتي نفسه اليوم كنظام تعليمي يمتلك القدرة على استيعاب متغيرات العصر، وباتت الحاجة ملحة إلى هذا التعلم في العصر الحديث نظراً للانفجار المعرفي والتكنولوجي.

 

توصيات الخبراء في مجال التعليم 

وفي دراسة بعنوان “مستقبل السياسة التعليمية في مصر” قدمها الدكتور الهلالي الشربيني الهلالي، أستاذ أصول التربية والتخطيط التربوي، ووزير التربية والتعليم الأسبق، يؤكد على ضرورة تعليم الطلاب آليات التعلم الذاتي، ومنح تجربة التعليم عبر الإنترنت، فضلا عن دمج التعليم التقليدي مع التعليم عبر الإنترنت الكثير من الفرص وإفساح المجال أمام الاستثمار في البنية التحتية الرقمية في مجال التعليم، وتوظيف التكنولوجيا في التعليم والتعلم، وإزالة الحواجز اللغوية، والتخطيط التعليمي والإدارة الحديثة.

وتقول الكاتبة ويدني بريسنيتز، الخبيرة الدولية في مجال التعليم، إن المجتمع الذي يقوم على المعلومة، وكل شيء فيه يسير بسرعة، يحتاج إلى الذين يعرفون كيفية الحصول على المعلومة لا كيف يتذكرونها، حتى يمكنهم التكيّف مع المتغيرات بطريقة أكثر ذكاء. وهما الشيئان اللذان لا نتعلمهما في المدرسة.  

من جانبه، يقول الدكتور عادل الشرقاوي، الأستاذ بكلية التربية جامعة قناة السويس، إن التعلم الذاتي أصبح من أهم أساليب التعلم التي تتيح توظيف مهارات التعلم بفاعلية عالية، مما يسهم في تطوير الإنسان سلوكيًا ومعرفيًا ووجدانيًا، كما أنه نمط من أنماط التعلم الذي نعلم فيه التلميذ كيف يتعلم ما يريد هو بنفسه أن يتعلمه.

أضاف الشرقاوي، في تصريحات إعلامية، أن امتلاك وإتقان مهارات التعلم الذاتي تمكن الفرد من التعلم في كل الأوقات وطوال العمر خارج المدرسة وداخلها وهو ما يعرف بالتربية المستمرة، لافتًا إلى أن أهمية التعلم الذاتي تكمن في أنه يحقق لكل متعلم تعلما يتناسب مع قدراته وسرعته الذاتية في التعلم، ويعتمد على دافعيته للتعلم ويأخذ المتعلم دورا إيجابيا ونشيطًا في إتمام هذه العملية.

وبيّن أن المتعلم يحقق العديد من المهارات المكتسبة بسبب التعلم الذاتي، منها مهارات المشاركة بالرأي ومهارة التقويم الذاتي والتقدير للتعاون، كما يكتسب مهارات أخرى مثل إدارة الوقت ومهارة وضع الأهداف، موضحًا أن التعلم الذاتي له أنماط تتمثل في المبرمج والحاسب الآلي والتربية الموجهة للفرد.

مصادر وخصائص التعلم الذاتي

ومن أبرز مصادر التعلم الذاتي، الكتب والمكتبات، والمقالات، والمجلات، ووسائل الإعلام، والدورات التدريبية، والمقاطع الصوتية، ومقاطع الفيديوهات، إلى جانب مواقع التعليم عن بُعد، والبرامج التعليمية.

وتشمل أهم خصائص وأساسيات التعلم الذاتي الانضباط والتفاني إذ يتطلب التعلم الذاتي الانضباط الشديد والتفاني في التعلم والتطوير، فضلا عن الخطط والتطوير، لأن التعلم الذاتي أيضًا يتطلب القدرة على تنظيم الوقت والموارد وإنشاء خطط واضحة للتحسين، والقدرة على تقييم النفس والمهارات والمعرفة، وتحديد المجالات التي يجب تحسينها.

ويتطلب التعلم الذاتي الثقة بالنفس والإيمان بأنه يمكن تحسين المهارات والمعرفة، فضلا عن الاستمرارية في التطوير والتحسين، وعدم الاكتفاء بمستوى معين من المعرفة والمهارات.

ويمتلك المتعلم في التعلم الذاتي الفضول وحب الاستطلاع لاستكشاف وتعلم كل ماهو جديد ومُثير لفضوله لمعرفته، ويعتمد المتعلم على نفسه في العملية التعليمية، وذلك بعد أن يخطط لما يريد أن يتعلمه ويحدد الهدف من التعلم بشكل فردي.

ويمكن أن تشجع الدورات التدريبية المعتمدة خاصية التعلم الذاتي من خلال وجود أسلوب تدريب يطلق عليه الدراسة الذاتية، حيث توفر جهة التدريب، مثل معهد بكه للتعليم، الموارد التدريبية والمصادر والمراجع ويترك للمتدرب حرية الدراسة في أي وقت وأي مكان.

 

للنشء.. مهام المعلم في التعلم الذاتي

والتعلم الذاتي لا يمكن أن يكون وليد الصدفة، بل يوصي خبراء التربية بضرورة تطبيقه في الصفوف الخاصة بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية، وللمعلم دور جوهري في أسلوب التعلم الذاتي، إذ يجب أن يكون واعيًا بأحوال طلابه، ومهتمًا بهم، لتوجيههم على المواد التعليمية المناسبة لهم، وتشجيع الطلاب على طرح الأسئلة، وتشجيع التفكير الناقد وإصدار الأحكام، وتنمية مهارات القراءة والتدريب على التفكير فيما يطلعون عليه، واستخلاص المعاني ثم تنظيمها وترجمتها إلى مادة مكتوبة.

كما يؤكد الخبراء على ضرورة ربط التعلم بالحياة، وجعل المواقف الحياتية هي السياق الذي يتم فيه التعلم، إلى جانب إيجاد الجو المشجع على التوجيه الذاتي والاستقصاء وتوفير المصادر والفرص، وتشجيع المتعلم على كسب الثقة بالذات.

من جانبه، قال الدكتور رضا حجازي، وزير التربية والتعليم، إنه فى ظل التحول الرقمى والذكاء الاصطناعي تغير شكل التعليم فى العالم، وتغيرت مواصفات وظائف المستقبل، ووزارة التربية والتعليم المصرية تبذل جهودا كبيرة لتطوير المناهج التعليمية وفقًا لنظام التعليم الجديد ودمج التحول الرقمي في التعليم بالشكل الذي يحقق نواتج التعلم المرجوة.

وأضاف وزير التربية والتعليم، في تصريحات إعلامية، أن التقنيات الرقمية الحديثة بوتيرتها المتسارعة قد أصبحت واقعا في الحياة اليومية، وبات لها الأثر الواضح والملموس في جميع المجالات، مما يجعل التحول الرقمي في التعليم ضرورة حتمية ووجودية في مختلف مراحل التعليم، مشيرًا إلى أن الوزارة تعمل على دمج المواد التعليمية الرقمية، وتعدد المصادر، وتطوير دور المعلم وأدائه ومهاراته المختلفة؛ من أجل أن يصبح دوره مواكبًا لمصادر التعليم المختلفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com