المقالات

شرعًا .. النظافة مسؤولية الجميع !!

لقد أولى ديننا الحنيف عناية بالغة واهتمامًا كبيرًا بالنظافة والطهارة في جميع جوانب حياة البشر ومعيشتهم، واعتبرهما من صميم رسالته، وجزءًا من الإيمان، وأمر أتباعه على مراعاة أسبابهما في شتى المجالات، سواءً في أحيائهم وفي مساكنهم أو حتى في أبدانهم وملابسهم وأماكن تعبدهم وفي كل نواحي حياتهم، وجعل الإسلام الطهارة عبادة مقصودة وشرطًا ومدخلًا لكثير من العبادات؛ كالصلاة، والطواف بالبيت الحرام، وقراءة القرآن؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طَهُور» متفق عليه، فهي الجانب الفطري من حياة البشرية عامة والمسلمين على وجه الخصوص.

ولا شك في أن مجتمعًا لا يهتم بالنظافة في عامة شؤون حياته لا يمكن أن يُوصَف بأنه مجتمع متحضِّر مهما بلغ من العلوم شأوًا، ومن التقدم المادي مكانة… إذ النظافة في البدن والمكان والغذاء – على أقل تقدير – هي العنصر الأساسي الطبيعي في حياة أي إنسان سوي، يدرك دور النظافة وأثرها في سلامته الصحية ووقايته من الأمراض والأوبئة.. كما أن تمتعه بالمدارك السليمة والحس الجمالي للماديات الطبيعية والصناعية التي يعيش ضمنها وفي كنفها، فإن إحساسه الصادق بجمال هذه الأشياء وقدرته على التمتع بها هو العنصر الدال على سلامة ذوقه وكمال شخصيته، سواءً كان ذلك في نظافة بدنه ومظهره أو نظافة ملبسه أو في منزله ومكان عمله، وحتى في الطرقات التي يسلكها وفي تلك الأماكن الجميلة التي يسعد بارتِيادها كالحدائق والمتنزهات، فإن أول ما يهتم بتوفره بها هو نظافتها ورونقها وجمال منظرها، الذي لا يمكن أن يكتمل دون هذا العنصر الفطري الذي يُعد أول مقاييس الجمال ومعايير التحضر في طبيعة البشر الأسوياء.

ومن مظاهر النظافة والطهارة في الإسلام: نظافة البيوت والأماكن العامة وتطهيرها من النفايات والقاذورات؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ، فَنَظِّفُوا – أُرَاهُ قَالَ – أَفْنِيَتَكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ» رواه الترمذي في “السنن”.

كما حثَّ على إماطة الأذى عن الطريق، وعدَّه شُعْبة من شعب الإيمان، وحث أيضًا على نظافة الطرقات، فأمر بعدم التبوُّلِ فيها، وما يلحق ذلك من إلقاء النجاسات والقاذورات بها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ»، قالوا: وما اللَّعَّانان يا رسول الله؟ قال: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» رواه مسلم في “الصحيح”.

وتحقيقًا لهذا المفهوم، وانطلاقًا من هذا المبدأ، فقد عملت حكومة المملكة العربية السعودية ممثلة في الجهات المعنية في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وخلال موسم الحج، على اتباع أفضل الوسائل والطرق في عملية النظافة، وانتهاج أحدث الأساليب لتحقيق أعلى مستوى، وأولت هذا الجانب عناية بالغة لتوفير بيئة آمنة وصحية ونظيفة لحجاج بيت الله الحرام، سواءً بتوفير الكوادر البشرية المدربة التي تعمل ليل نهار على نظافة البقاع الطاهرة، أو بتوفير الآليات والمعدات والتقنيات الحديثة التي تساهم في المحافظة على النظافة، كما حرصت الجهات المعنية على تسهيل وتيسير طرق التخلص الآمن من النفايات للجميع، فوضعت لها أماكن مخصصة وحاويات وصناديق منتشرة في كافة الشوارع والطرقات، لضمان عدم رميها في الشوارع وفي الأماكن العامة لما لذلك من آثار سلبية وأضرار كبيرة على صحة البيئة، وخاصة فضلات الأطعمة المطهية وبقايا العصائر والنفايات المنزلية التي هي أسوأ أنواع النفايات، والتي قد تُشكِّل مرتعًا خصبًا لتوالد البعوض والذباب، ومصدرًا للروائح المنفرة في حال تعفنها، مع صعوبة تنظيف مواقع طرحها، وما تسببه في تلويث الأرصفة وجوانب الطرق، وكذلك عبوات المياه والعصائر الفارغة المعدنية والبلاستيكية والورقية، حيث تتناثر هذه العبوات الفارغة في طرق المشاة والسيارات، وتنتقل من مكان لآخر بفعل الرياح وحركة السير، فيكون ضررها أعم وأثرها أكثر سوءًا، مع صعوبة جمعها من بين أقدام المشاة أو من مسارات السيارات، وما تسببه بواقي المياه والعصائر في هذه العبوات من تلويث الملابس والمارة، ومجمل هذه النفايات إذا أُهملت ولم يُراعَ حفظها في الأوعية المخصصة لها، فإنها سبب رئيسي في الإضرار بالإصحاح البيئي، والإساءة إلى صحة المجتمع، علاوة على المسلك غير الحضاري ممن يبدر منه هذا التصرف.

فما أجدر بنا أن نكون عونًا لهذه الجهود المباركة، بالالتزام والمحافظة على نظافة الشوارع والطرقات في الأراضي المقدسة، والتعاون مع الجهود التي تبذلها الجهات المعنية، ووضع النفايات في أماكنها المخصصة، والاستخدام الأمثل للخدمات المتوفرة والمرافق العامة، أولًا – تماشيًا مع تعاليم ديننا الحنيف لنكون أهلًا لما ميزنا الله به عن سائر الأمم، من النظافة والطهارة والسلوك الحضاري وسلامة المظهر ونقاوة السريرة وسمو الذات والترفع عن المزريات ومجلبة للمثوبة ودفع للسيئات، وثانيًا – لنكون عونًا لما تقدمه هذه الدولة المباركة من جهود، وما يقوم به رجال النظافة في الميدان وما يتكبدونه من عناء وتعب، رحمة وشفقة بهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» رواه أبو داود، والترمذي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى