الحج والعمرة

اسواق بني سعد القديمة وارتباطها بـ مواسم الحج في ذاكرة الاهالي

كانت الأسواق في العصر القديم مراكز حيوية للتجارة والثقافة والتفاعل الاجتماعي بين القبائل العربية. لم تقتصر أهميتها على التبادل التجاري، بل امتدت لتشمل التنافس الأدبي، إنشاد الشعر، عقد التحالفات، وحتى تسوية النزاعات. ومن بين هذه الأسواق، برزت أسواق مثل سوق جنبان الصقور في قرية حليمة السعدية قرية الدهاسين الذويبات وجناب السوق في وادي كلاء وسوق الاثنين والتي تقع جميعها في سراة بني سعد جنوب شرق الطائف، والتي مازال يتردد صدى سيرتها بين كبار السن في السراة وماحولها،

صحيفة مكة الألكترونية كان لها شرف القاء مع عدد من الادباء والمفكرين والباحثين وكبار السن من ابناء سراة بني سعد حيث التقينا مع الشيخ محمد بن رجا بن عميرة الذويبي الذي قال بأنني أبلغ من العمر قرابة التسعين عاماً عرفت سوق الإثنين الذي يقيمه بنو سعد قديما ويأتيه الكثير من القبائل المحيطة به للبيع والشراء.

حيث يقع هذا السوق قرب قرية لغب والدار الحمراء في بني سعد ويأتيه الرجال راجلين وعلى دوابهم من كل مكان منهم من لديه بضاعة يريد بيعها ومنهم من يريد الشراء.

كان السوق بسيطاً في جناب ممتد على سفح جبل من جبال السروات يباع فيه الحبوب بأنواعها البر والشعير والسيال والدخن والاقط والسمن بكميات ليس بالكبيرة بل بمقادير معينة فالناس تشتري وتبيع بالمُد والربعة والربعية المتداولة في ذلك الزمان. وتعني الربعة، والربيعة، والمد ، وحدات قياس تقليدية كانت تُستخدم في المنطقة العربية، لقياس الحبوب والمواد الجافة. غالبًا ما تُعتبر جزءًا من وحدة أكبر مثل “الصاع” أو “الكيلة”.

وما يشتروه يحملوه على ظهورهم أو على الابل ويعد البيع في هذا السوق بالمقايضة أو بالنقد ولكنه قليل. وطول العام يعمل هذا السوق فقط يوم الاثنين وعند قدوم شهر الحج يأتون ابناء قبائل بني سعد والقبائل المجاورة بالمواشي التي يريدون ان يجلبونها للحج حيث تجمع من هذا السوق وغيرة ويذهب بها سيراً على الأرجل إلى مكة المكرمة عبر طريق العصبة المعروف مع الحدباء بسراة بني سعد.

وهناك أيضا سوق ولكنه قديم جداً ربما يرجع لألاف السنين ويقع في جناب السوق ومازال إلى يومنا هذا يحتفظ باسمه ويعرف باسم جناب السوق وبجواره ضلع يعرف ايضاً باسم ضلع السوق ارتباطاً باسم السوق  ويمر به طريق الجمالة مع وادي كلاء للقادمين من قرى الذويبات والشهبة والعيسى وغيرهم والى عهد ماقبل السيارات كان بجواره محطة توقف تسمى بطلحة الجماله يجتمع تحتها الجمالة ثم تنطلق تلك القوافل إلى مظللة ثم إلى الطائف فمكة.

وما زالت بعض العلامات والدلائل والمؤشرات موجوده وثابته والتي تدل على أن هناك سوق كان يارتاده الناس من كل مكان وعلى قدر بساطتهم.

كما التقينا أيضا بالشيخ عوض ابن رجا ابن عميرة الذويبي وذكر لنا أن من الأسواق الدائمة في المنطقة سوق الاثنين قرب لغب في سراة بني سعد وقد ارتاده أبي رجا رحمه الله وكثيرا من صحبته الكرام كما قص لنا حركة البيع أو الشراء و استدرك بقوله بإنه سوق بسيط اقتصر على قوت الإنسان فقط من الحبوب المعروفة في ذلك الوقت والمنتجة محليا وكذالك السمن و الاقط لا غير.

وقال عند اقتراب موسم الحج تجمع المواشي من هذا السوق ومن البادية ويذهب بها سيراً على الأقدام إلى مشعر منى كأضاحي للحجيج وجميعها انتاج محلي.

كما أشار الأستاذ عبدالملك بن عميرة الذويبي الباحث في علم الفلك الزراعي أنه في يوم السبت ١٩/ ١١/ ١٤٤٦ وفي تمام الساعة الثامنة صباحاً قد وقف على مكان جناب السوق وضلع السوق ولتقط بعض الصور والفيديوهات لتوثيق موقع السوق التاريخي حيث ذكر لنا بان المكان يوحي بل يعطي صورة بأنه كان سوق تاريخي ويرجح انه قبل الإسلام بمئة السنين لوجود كثير من الرجوم الحجرية توحي بأنها معالم لشيء ماء بطابع فريد

حيث قال ان المكان له تاريخه الموغل في القدم كذالك وجود علامات حدود من الجهة الشرقية والجهة الشمالية عبارة عن بقايا أصوار قد نالتها أيادي العابثين وغيرت بعض معالمها ومن الجهة الغربية الجبل المسمى بـ ظلع السوق ولكن ريح التاريخ والحضارة تشم في المكان. نعم يبقى التاريخ وان طال الزمن.

كما ذكر الشاعر محمد سعيد الذويبي انه في عام 1360هـ عندما كان عمره لايتجاوز السته سنوات كان يرا كثير من ابناء قرى الذويبات والقرى المجاورة يرتادون جناب الصقور والذي كان ينصب به عدد من الخيام للتسوق في اوقات محددة لاتتجاوز 14 يوم حيث كان يعرف هذا السوق بصناعة الأواني النحاسية وبيع المواشي بالدرجة الاولى حيث تُعد صناعة دلال القهوة والأواني النحاسية من أبرز الصناعات التقليدية التي تعكس التراث الثقافي العربي، خاصة في الجزيرة العربية. ولاسيما بانها تتميز بمزيج فريد من المهارة الحرفية والجمال الفني، حيث يتم تشكيل النحاس يدويًا لصنع دلال القهوة، والصواني التي تُستخدم في المناسبات الاجتماعية والضيافة والمزخرفة بخطوط عربية، مما يعزز قيمتها الفنية. كيف لا والعرب بصفة عامة يحرصون على اقتناء دلة القهوة، بتصميمها الفريد وفوهتها المنحنية. التي ليست مجرد أداة لتحضير القهوة، بل هي رمز للكرم والضيافة. والاستمتاع بمذاق القهوة السعودية الأصيل ،

كانت تلك الأسواق تعكس الحياة الاقتصادية والاجتماعية للعرب. حيث كانت تُقام في مواسم محددة، غالبًا في الأشهر الحرم التي تُحظر فيها الحروب، مما يوفر أجواء آمنة للتجارة والتفاعل. ان مثل هذه الأسواق ملتقى للقبائل من مختلف مناطق شبه الجزيرة العربية، حيث يجتمع التجار، والشعراء، والخطباء، وحتى القادة القبليون

وكان لجنبان الصقور وجناب السوق أهمية محلية كبيرة.ومن المعروف لدى قبائل بني سعد بن بكر بن هوازن ان جنبان الصقور الواقع بمحاذات طريق القوافل والمعروف بطريق رويعات الجماله ( تلعة الوسيفل )  يجذب تجار القوافل القادمة من جنوب المملكة والمتجه الي الطائف ومكة والعكس وكذالك تجار القرى المجاورة لتبادل المنتجات الزراعية مثل التين والرمان والعنب والخوخ والقمح والذرة وغيرها من المحاصيل والمنتجات المحلية، مثل الأجبان والألبان بالإضافة إلى الزبدة والسمن والعسل حيث تكثر مقاري النحل بصفة خاصة في قرى الذويبات مثل قرية خفاش وقرية الدهاسين وفي جبال سراة بني سعد بصفة عامة وكذلك انتاج الجلود ،والسيوف والدروع والمنسوجات. كما كانت هذه المراكز أمكنة لبيع وشراء الماشية، وهي من أهم السلع في المجتمع القبلي.

وبما اننا اشرنا الي كثير من المنتجات فهناك جناب التمر الذي يقع على امتداد وادي الحمضة وهوا لايبعد سوى 2 كيلو متر عن جنبان الصقور ( تلعة الوسيفل ) وحقيقة لو عرجنا على الطابع الثقافي.

فكانت تلك الأسواق المشار اليها مثل غيرها من الأسواق القديمة، تعد مكانًا لتبادل الأخبار. وتنافس الشعراء فيها، و منصة لعرض المفاخرة بالأنساب والأحساب.

كما يُروى في الجاهلية، أن قصي بن كلاب، أحد أجداد النبي محمد ﷺ هو من وحد قريش وأسس نظامًا لإدارة الحج والتجارة.وكان له دور كبير في تنظيم الأسواق مثل سوق عكاظ، وجعل مكة مركزًا تجاريًا يربط اليمن بالشام كيف لا وسراة بني سعد بن بكر بن هوازن تعد من اهم الجهات التي كانت تمون مكة بالمنتجات المحلية ولم تكتفِ قريش بمكانتها الدينية والتجارية بل سعت لتوطيد علاقاتها مع القبائل المحيطة، ومن بينها بنو سعد بن بكر بن هوازن، الذين صاهروهم وجاوروهم وعاشوا معهم فقد ارضعوا النبي محمد ﷺ منذ طفولته، حيث أرضعته حليمة السعدية، فغدا لهم شرف القرب منه. ولم تقتصر العلاقة بينهم على هذا الارتباط الروحي، بل امتدت إلى علاقة مكانية راسخة كرسوخ جبل مرازم، المنسوب إليهم، والذي يطل على أهم المواقع التجارية المحيطة بالكعبة المشرفة. هذا الموقع الاستراتيجي عزز من نفوذهم التجاري والاقتصادي والأمني والاجتماعي، فكانوا حلقة وصل بين قريش والقبائل، يجمعون بين قوة المكانة وقدسية الارتباط بالنبي.

ويقول الدكتور خالد آل زيد الباحث في قسم التاريخ والآثار بـ جامعة أم القري ان ديار بني سعد تحمل قيمة مكانية واهمية حضارية في تاريخ الاسلام في ضوء تعدد الأنشطة الاقتصادية والمقومات والبيئة والمنتجات فيها مما جعلها مكانا مناسبا للاستقرار البشري منذ القدم واستمرارها في المساهمة في بناء التاريخ واللغة للعرب فعلى سبيل المثال كلمة جنبان ومفردها جناب كانت معروفة ومتداولة في مجتمع بني سعد منذ مئات السنين حيث وردت هذه اللفظة على لسان حليمة السعدية دلالة على ثبوت ديار قومها وامتلاكهم لثقافة ولغة عربية متفردة مما جعل لهم حضوراً لا يُمحى في تاريخ الجزيرة العربية.

واليوم ولله الحمد تحقق المملكة في ظل هذا العهد الزاهر خطوات متسارعة نحو الريادة في مختلف المجالات الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية والصحية، وفي الختام نسأل الله العلي القدير أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وأن يديم على بلادنا الأمن والأمان والاستقرار.

 

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ماشاء الله تبارك الرحمن..تاريخ عريق ضارب في القدم لديار بني سعد ..من ذكروا اعلاه كانوا شهداء على هذا العصر المرتبط ارتباطا وثيقاً بمكة ومناسك الحج خصوصاً..شكرا لك اخ عبدالله على هذا الطرح المميز.. بالتوفيق لك دائماً..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى