تشارك المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي الاحتفاء باليوم العالمي للمعلم ، الذي أقره المجلس التنفيذي لمنظمة الينسكو ليكون في الخامس من أكتوبر في كل عام ، والذي يوافق هذا العام يوم الأحد الموافق الثالث عشر من شهر ربيع الثاني للعام 1447 هـ .
إن الاحتفاء بالمعلم وتقديره واحترامه وإنزاله منزلته الحقيقية هو سمة المجتمعات المتحضرة والواعية ؛ لما يقوم به المعلمون والمعلمات من دور أساسي في بناء الأجيال القادمة المتسلحة بالمعارف والمهارات والقيم التي تحقق النهضة الحقيقية والتقدم المنشود لأي بلد ، إلا أن عملية الاحتفاء ينبغي أن تتجاوز الشعارات والتعبيرات العاطفية والاحتفالات الصورية والعبارات الرنانة ؛ تتجاوز ذلك إلى بناء برامج عملية هادفة يتحقق من خلالها معالجة مشكلات المعلمين والاستماع إلى أرائهم وأفكارهم ودعم مبادراتهم وإشراكهم في إتخاذ القرارات المتعلقة بالشأن التعليمي والتربوي ، وقد سرني ما تضمنه توجيه معالي وزير التعليم في تعميم الاطار العام للاحتفاء باليوم العالمي للمعلم الموجه لإدارات التعليم هذا العام والمتضمن إقامة ملتقى للأعمال الإبداعية يحتوي على معرض للأعمال الإبداعية للمعلمين والمعلمات ، وإقامة جلسات حوارية مع شريحة من المعلمين وعقد ورش عمل وتقديم أوراق علمية وتكريم المتميزين والفائزين بجوائز على المستوى الوطني والإقليمي والدولي ، وهذا توجه متميز ورائد من وزارة التعليم في إعطاء المعلمين مساحة من المشاركة في القرارات التي تتخذها الوزارة .
وإذا أردنا أن يلقى هذا التوجيه والتوجه من وزارة التعليم حيزاً واقعياً من التنفيذ ، ويكون هناك تفاعلا إيجابيا من المعلمين والمعلمات في فعاليات يومهم العالمي ؛ فلا بد أن يتم تناول قضاياهم الأساسية التي تستحوذ على جل اهتمامهم أو تمثل تحدياً في أداء رسالتهم والقيام بمهامهم ومسؤولياتهم وتحتاج إلى تحليل وتوضيح ومعالجة ، والتوصل إلى توصيات أو قرارات مشتركة بشأنها .
ومن الموضوعات الأساسية التي يتحدث عنها المعلمون هذه الأيام تطبيق نظام التوقيع الإلكتروني ( بصمتي ) في جميع مدارس المملكة ، الذي أنطلق هذا العام متزامناً مع اليوم العالمي للمعلم ، ولم ترحب بتطبيقه شريحة كبيرة من المعلمين ، وأبدوا في ذلك تبريرات كثيرة من أهمها أن طبيعة عمل المعلم تختلف عن أية مهنة أخرى ، فعمل المعلم ليس محصوراً في الساعات التي يقضيها واقفاً داخل صفه أو مشرفا ومتابعا للطلاب في ردهات مدرسته ؛ بل إن عمله يمتد إلى خارج وقت الدوام وذلك في عملية التحضير المسبق للدروس، والاعداد الذهني والفكري لعملية التدريس قبل أن تتم ، بينما ترى الوزارة في المقابل أن الانضباط في الدوام اليومي هو أول مرحلة من مراحل تطوير العملية التعليمية ، وأن دقائق وثواني اليوم الدراسي هي ملك للطالب وحق من حقوقه التي يجب المحافظة عليها ؛ بل إن التفريط في جزء منها هو ضياع حق مشروع للطالب والمدرسة ومخالفة يجب رصدها والمحاسبة عليها ، وهو مبدأ لا يمكن المساومة عليه .
والحقيقة أن كلا الطرفين ، المعلمين والوزارة على حق في حججهم ومنطلقاتهم ، فلا أحد ينكر ما يقوم به المعلم من جهد كبير وشاق سواء داخل المدرسة ، أو فيما يبذله من جهد قبل حضوره إليها ، وكذلك لا أحد ينكر بعض الممارسات الخاطئة في الميدان التعليمي من بعض المعلمين ، ولا أحد يرضى أن يكون الأمر سبهللاً متروكاً للاجتهادات الشخصية التي قد تحدث تسيبا أوعلى الأقل تفاوتا في معاملة المعلمين من مكان إلى آخر .
لكن لابد أن تكون هناك مرونة في تطبيق مثل هذه البرامج الإلكترونية ، وأن يعطى مديرو المدارس وإدارات التعليم صلاحيات منضبطة ومقننة في تقدير الحالات الفردية لبعض المعلمين أو المدارس وخاصة المدارس الطرفية النائية ذات الكثافة الطلابية القليلة ؛ وذلك بإيجاد أنظمة وتشريعات تتلاءم وطبيعة وإمكانات هذه البيئات ولا سيما فيما يتعلق بساعات العمل ووقت الانصراف بها ، فالفصل الذي به خمسة عشر طالبا في تلك المدارس الواقعة في قرى وهجر صغيرة ليس كفصل به أربعين طالبا داخل المدن وذلك من حيث الزمن الذي يحتاجه المعلم في إيصال ما لديه من معلومات أو مهارات للطلاب ؛ لذا فإنه بالإمكان تخفيض زمن الحصة الدراسية في تلك المدارس إلى خمس وثلاثين دقيقة بما يتلاءم وعدد الطلاب والجهد الذي يبذله المعلم معهم ، ويوفر من زمن اليوم الدراسي ما يقابل الزمن الذي يستغرقه المعلمون والمعلمات للوصول إلى تلك المدارس عبر طرق طويلة ووعرة وشاقة تستغرق منهم جهدا ووقتا طويلا ، وأعرف أن هناك عدد من المعلمين والمعلمات خصوصا ينطلقون إلى مدارسهم في ساعات مبكرة في غسق الظلام في رحلة بها من المخاطر ما الله به عليم خلال زمن يتجاوز الست ساعات – مسافة الطريق فقط – ذهابا وإيابا ، ثم يتبع ذلك عملية إعداد للدروس في المنصة وإعداد ذهني وفكري ، وتطلعات عالية إلى حسن التعامل مع الطلاب وتحسين للنتائج والمخرجات .
إن المتتبع للأنظمة التعليمية في البلدان المتقدمة يجدها تتفاوت في البلد الواحد من حيث طول اليوم الدراسي وقصره ، كما تتفاوت في المناهج الدراسية المقررة على الطلاب حسب احتياج وطبيعة المجتمع أو الولاية أو البلد .
إني أرى كواحد ممن ينتسبون إلى هذه المهنة الشريفة ويحرصون على أداء رسالتها على خير وجه ، وخاصة بعد إشرافي فترة طويلة على هذا النوع من المدارس ، وزياراتي لها ، ولقاءاتي بمديريها ومعلميها ، واستماعي بل واطلاعي على معاناتهم ولا سيما المعلمات أن يكون هناك تنظيمات وتشريعات من الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة التعليم لهذه الشريحة من المدارس يتحقق من خلالها التوازن المطلوب من احتياج المعلمين والمعلمات بها وجودة العملية التعليمية التي نتطلع لها في كل مدارسنا بلا استثناء .
Marey_albrakaty@hotmail.com


