المقالات

نتحدث عن القيم ..فماهي..؟

نتكلم كثيرًا عن القيم وضرورة المحافظة عليها وأنها عنوان لكل حضارة بل وجهها الجميل؛ لكن هل لو سألنا أحدًا ماهي تلك القيم التي نعتز بها بل نقاتل من أجل المحافظة عليها .. هل نستطيع الإجابة عن هذا السؤال أم أننا سنتوه في ذاتنا دون أن نتعرف حتى على الشكل العام لهذا الجواب، أو أننا سنتكلم عن قيم إضافية. فهل القيم هي ذاتها الأخلاق، كما يعتقد الكثيرون ؟ أم أن لها جوانب أخرى تتعدى إليها ؟

فالقيم كما هي مجموعة المبادئ والأخلاق والتعاليم والمعتقدات وحتى القناعات الضابطة لسلوكيات الأفراد، والتي تُشكل في المحصلة سلوك المجتمع، لتخدم مصالحه الخاصة بل لتميزه عن غيره من المجتمعات، انطلاقًا من اختلاف هذه القيم والنظرة إليها من مجتمع لآخر، ولا قيمة لها مجردة نظرية دون أن تكون عملية تنبعث وتشع من الإنسان للإنسان ..

فالقيم هي ليست مجرد مبادئ أخلاق عامة مثل الصدق والتسامح والأمانة وغيرها من الأخلاق، بل هي مجموعة قيم قد تنطلق من القيم الأخلاقية للأفراد والمجتمعات لتجمع في النهاية القيم المجتمعية والفكرية والسياسية والاقتصادية والفكرية والدينية والثقافية، لتضم أيضًا القيم الوطنية والجمالية التي تُشكل قيمة الإنسان الحقيقية.. تضبط هذه القيم إيقاع حياة الأفراد ومجتمع بعد أن يصيغ أخلاقه وعاداته وتقاليده وسلوكياته جميعًا؛ لتكون قيمًا له يضبطها بقوانين يتحرك الأفراد ضمن إطارها، وتنتهي بجملة المقاصد التي تناسب أغلبية أعضاء المجتمع وتكون نتيجتها النهائية المحافظة على تلك الإنسان القيم، وبالتالي المجتمع الذي يتصف وتميزه قيم معلومة ..

فالقيم يصنفها بعض علماء الاجتماع بالقيم الأخلاقية، وهي عادة التي تتصدر قائمة أي تصنيف ومنها القيم الشخصية مثل الصدق والشجاعة، والإخلاص، والأمانة، والنزاهة، والتسامح ومنها مجتمعية مثل المساواة والعدالة، والتعاون، وتحمل المسؤولية، والمساعدة والمحافظة على البيئة الحاضنة، وقيم معرفية فكرية وجمالية مثل الموضوعية والفضول للمعرفة والميل للإبداع والتنسيق، وقيم وطنية كمسؤولية الدفاع عن الموطن والتضحية من أجل الحفاظ على الوطن، وسياسية كتقديم المصلحة العامة على الخاصة .. القيم تتعدى حدود مجموعة ما أو مجتمع ما إلى مجتمعات أخرى وخاصة المجاورة منها؛ لتتشارك معها في بعض هذه القيم ..

تقدير هذه القيم يختلف من مجتمع لآخر، حيث إن قيمة ما في مجتمع ما قد تكون قيمة مذمومة في آخر.. قيم مثل قيمة الإيمان قد تتصدر القيم في مجتمع مؤمن، وقد لا تكون لها أي قيمة في مجتمع آخر.. الشرف والعرض أو الستر مثلًا هي قيم غالية في عيون الشرقيين مثلًا، إلا أنها فاقدة لأي اعتبار في عيون الغربيين، بل يرونها عائقًا في وجه التحرر التام .. فهي إذن تمتد ما بين القيم المثالية الأفلاطونية التي ترى أن الإنسان يستمد قيمه من قيم السماء، فالخير والجمال هي من أصل تركيب الكون، فالانسجام معها هو الخير ومناكفته هو الشر.. وأخرى قيم براغماتية نسبية لا تؤمن بالقيم الأخلاقية؛ مرورًا بالواقعية التي تؤمن بأن القيم واقعية نسبية وهي جزء منه ومحرك أساس له.. بغض النظر عن التصنيفات الفلسفية المختلفة للقيم، إلا أن الكل يجمع أن مجموع هذه القيم والحفاظ عليها من أهم عوامل تماسك المجتمعات والحفاظ على النظام الاجتماعي فيها، بل محرك تقدمها ورقيها وهي التي تُشكل وجهها الحضاري، وإن تدني هذه القيم وتركها هو من أهم أسباب ضياع المجتمعات فالقيم هي المرجع المجتمعي الأول لسلوكيات الأفراد.. فأين نحن الآن من القيم ؟! جميل احترامي..

د.محمد خيري آل مرشد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com