لقاءات رمضانية

السفير الثقفي لـ «مكة»: الإقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة

(مكة) – حوار – عبدالرحمن عبدالقادر الأحمدي

أكد السفير أحمد عابد الثقفي أن الاقتصاد والسياسة هم وجهان لعملة واحدة ، وقال الثقفي إن الدولة عندما يكون لها ميزان تجاري قوي مع باقي دول العالم، فإن هذا يعتبر ورقة ضغط لصالحها في علاقاتها الدولة مع هذه الدول، جاء ذلك في حوار لـ “مكة” تناول فيه الثقفي أهم ذكرياته والمواقف التي لم ينسها خلال رحلة عمله الدبلوماسية

– سعادة السفير ليتنا نطلع القارئ الكريم على نبذة شخصية لكم.
أنا باختصار .. عصام أحمد عابد الثقفي واحد من مواليد الحبيبة مكة المكرمة ( ١٩٥٨م ) متزوج ولي أربعة أبناء اثنان من الذكور واثنتان من الإناث. درست في مدارس الفلاح بمكة ثم التحقت بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة لدراسة الأعلام (علاقات عامة) ،التحقت بوزارة الخارجية في جدة عام ١٩٨١م وعملت من حينها إلى الآز مابين ديوان الوزارة في الرياض وسفارات المملكة في كل من المكسيك والولايات المتحدة ، وتشرفت بالعمل سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في كل من سلطنة بروناي دار السلام وجمهورية الأرجنتين ( وسفير غير مقيم في تشيلي والأرجواي ) وحاليا أتشرف بخدمة المملكة سفيرا في مملكة النرويج .

– أين كانت نشأتكم في هذا الوطن الغالي؟
نشأت بحمد الله على أرض مكة الطاهرة، وتربيت في حواريها وأزقتها واقتبست من عادات أهلها الطيبين وتقاليدها طيبة ذلك الزمن الجميل وحبه الخير للآخرين ، كنت الابن ماقبل الأخير لأسرة تتكون من عشرة إخوة وأخوات ، كان والدي رحمة الله عليه يجمع مابين عمله طوال العام كصائغ محترف للفضة في السوق الصغير ،ومطوف للحجاج الليبيين في مواسم الحج ، فكان بسبب قربنا منه تعلمنا الكثير من التجارب التي لازالت محفورة في الذاكرة، وبخاصة فيما يتعلق بأعمال الحج والتعامل مع ضيوف بيت الله الحرام.. حالنا حال معظم أسر وأبناء مكة المكرمة .
– وأين تلقيتم تعليمكم؟
 كما أسلفت كان تعليمي الابتدائي والمتوسط والثانوي في مدارس الفلاح بمكة المكرمة التي كان يديرها المربي الفاضل السيد محمد رضوان رحمه الله ، انتقلت بعدها إلى جامعة الملك عبدالعزيز لدراسة الإعلام وكنت من خريجي الدفعة الأولى للقسم تخصص علاقات عامة ( ١٩٨١م )، وبعد التحاقي بوزارة الخارجية تفرغت لدراسة دبلوم الدراسات الدبلوماسية والتي تعادل شهادته الماجستير .
  من المؤكد أن أحداث لاتنسى في فترة الطفولة عشتم معها..حدثنا عن بعضها؟
 طفولة ذلك الزمن الجميل تختلف عن طفولة أبناءنا وأحفادنا في هذا الزمن ، ربما كان الحرمان من معظم الاشياء التي نرغبها رغم قلتها هو السائد ! إلا أنه في نفس الوقت كان هناك رضى وقناعة وقبول بكل ماحولنا ، كانت والدتي-أمد الله في عمرها بالعافية- هي من يمتلك المفتاح السحري بجعل كل ما حولنا من أجمل متع الحياة ، كان يكفينا حضنها واحتوائها لنا بكل طيبة هذه الدنيا ، فلها مني الدعاء بأن يؤجرها الله عن كل لحظة قضتها من عمرها من أجلنا، ولعل من أجمل ما عشته في طفولتي وأخوتي  هوانتظارأخينا الأكبر إبراهيم -رحمه الله – عندما كان يعود من أسفاره من ليبيا نيابة عن الوالد لزيارة حجاجنا الذين تعودوا على أن يكونوا معنا كل عام ، ولعل من عاش هذه الفترة من أهالي مكة المكرمة يستوعب أكثر تلك المهمات التي كان يقوم بها المطوفون لضمان بقاء حجاجهم معهم ! ، فكان أخي يعود محملا بالهدايا والألعاب ، كان دائما مايصل متأخرا ليلا  عندما أكون وإخوتي قد غالبنا النوم  ، فكان أول ما نبحث عنه إذا استيقظنا هو الهدايا والألعاب وليس السلام على أخي  . 
– في مرحلة الشباب الكثير من التطلعات المستقبلية ماذا كان يراود آمالكم حينها ؟
 عندما تخرجت من الثانوية العامة ( ١٩٧٧م ) كنت أمام مفترق طرق.. وبدأ التفكير في المستقبل يشكل هاجساً قويا وسؤال محير : إالي أين المسير ، خاصة وأني حينها كنت خاطبا .. فأصبحت المسؤولية مضاعفة بين مستقبلي ومستقبل أسرتي … كانت مسألة الدراسة في الخارج هي السائدة في ذلك الوقت وكانت من الخيارات المطروحة . إلا أن الأمر استقر على مواصلة الدراسة في المملكة ، وكان لزوجتي ورفيقة دربي من البداية السيدة سوسن محمد حسين -حفظها الله- التأثير الكبير في أن نشق طريقنا سويا في ذلك المشوار الذي كنا حريصين عليه.. سنة بسنة، وخطوة بخطوة إالى ما وصلنا إليه بفضل الله . 
سعادة السفير.. التربية في السابق بنيت على مبادئ قيمة.. ماهي المبادئ  التي تربيتم عليها؟
 كثيرة هي المبادئ والقيم التي تربينا عليها في زمن كان فيه البيت يربي، والمدرسة تربي ،والجار يربي، وكل كبير في العائلة هو مثل أكبر لمن يصغره ، كان معروف عن المجتمع المكي التزامه الكبير بالقيم والمبادئ وأصول الحارة وأصول الجوار ، مجموعة من مباديء الصدق واحترام الكبير والأمانة والطاعة المطلقة ، كل ذلك تربى فينا وكبر معنا وأصبح الجزء الأهم من شخصياتنا ، أذكر ويذكر معي كل أبناء ذلك الجيل بأننا كنا نُسبق اسم أخونا الأكبر منا بكلمة ( سيدي ) وأخواتنا بكلمة ( استيته ) وهذا يعني المزيد من التأدب والاحترام لمن هم أكبر منا سنا .
– تلعب العادات دورا مهما في تكوين الشخصية..هل تذكرون أهمها؟
٧- من أهم عادات ذلك الزمن الذهاب مثلا إلى المدرسة سيرا على الأقدام بالرغم من بعد المسافة ، فكان الجميل هو التقاؤنا في رحلتي الصباح والمساء بزملاء الدراسة لنكون مجموعات نتشارك معها الحديث والمزاح فتزيد روابط الصحبة والعلاقة ليصبح المشوار للمدرسة منتظراً بفارغ الصبر لا يهمنا حرارة جو أو برودته طالما أن الكتب قد تحزمت بقوة والتفت عليها السجادة ووضعت فوق الرأس وتحكمنا في عدم سقوطها طوال رحلة الذهاب والعودة ، هي أمور قد تكون صغيرة لكنها شكلت شخصياتنا وكونت رؤيتنا لكل ماحولنا فأصبحت مصدر فخرنا واعتزازنا .
– الحكم والأمثال الشعبية القديمة لها أثر بالغ في النفس.. ماذا بقي في الذهن منها ؟ ولماذا؟
٨- الحكم والأمثال الشعبية والمكية بالذات كانت جزء لا يتجزأ من الحوار اليومي فيما بيننا ، شكلت ثقافة ذلك المجتمع .. وظهرت نتيجة تجارب يومية  فكانت هي الأساس في الحوار ، فعندما أقول مثلا ( مد رجولك على قد لحافك ) فهي حكمة مختصرة تساوي إلقاء محاضرة اقتصادية عن ضرورة عدم الصرف والبذخ بما هو أكبر من طاقة الإنسان حتى لا يقع في مشاكل يعجز عن حلها ، كثيرة هي الأمثال الجميلة والرائعة التي شكلت ثقافتنا ولازلنا نستخدمها .
– الحياة الوظيفية..أين كان لشخصكم القدير أولى محطاتها وآخرها ؟
 كانت أول مباشرة لي في وزارة الخارجية في الإدارة الأفريقية المتفرعة من الإدارة الشرقية والمحتوية على الإدارتين الأفريقية والآسيوية ، وكان يرأسها في حينها السفير عباس غزاوي -رحمه الله -، كان الشعور بالانتقال من مقاعد الجامعة إلى الحياة العملية مهيب ومختلف تماما ، خاصة إذا كان في وزارة كوزارة الخارجية ، لا أخفيك بأني احتجت إلى وقت طويل ؛ كي استوعب البيئة الجديدة في حياتي ، فهناك عمل سياسي وعلاقات دول.. وتقارير تأتي من سفاراتنا في الخارج تتطلب الدراسة والرفع عنها وأخرى تتطلب التوجيه ، أمور سريعة ومتداخلة يشعر الانسان أمامها في لحظة بأنه غير قادر بأن يكون طرفا في هذه المكنة الكبري التي تدير علاقات المملكة العربية السعودية بكل دول العالم ! .
– شهر رمضان وشهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة في المملكة حدثنا عنها.
 لو تحدثنا عن شهر رمضان وتميزه في المملكة.. فأقول هنا بأنه كان لي تجربة الصيام في كل الدول التي عملت بها.. إلا أن متعة الصيام في المملكة تختلف تماما عن أي مكان ، فالروحانية التي تحيط بأيام وليالي الشهر الكريم والوجود إلى جانب الأهل والاحباب والليالي الرمضانية الممتعة كل ذلك يصعب وجوده مجتمعيا في أي مكان ، أما الحج في مكة فأحن له كثيراً بعد ان حالت بيننا ظروف العمل في كل العالم دون بقاءنا في مكة ، أحن لأيام الحج في مكة التي كبرت عليها وعشتها في طفولتي وبداياتي فكانت حدثا منتظرا في كل عام بكل تفاصيله الجميلة . 
تغيرت الحياة الاجتماعية كثيرا عن قبل..ما أبرز التغيرات التي عايشتموها؟
١١-صحيح ، فكثير من العادات الاجتماعية قد تغيرت خلال السنوات الأخيرة عما كانت عليه فعلى سبيل المثال بقدر ما قربت وسائل التواصل الاجتماعي بين الناس وأوصلتنا إلى أقارب وأصدقاء باعدتنا السنين عنهم..بقدر ما أبعدتنا عمن هم قريبون منا ! ، فلا تخلو مناسبة اجتماعية إلا والجميع منشغل بجهازه يبحث ويتحدث مع البعيد بينما هجر القريب الذي هو بحاجة إليه ! ، من المتغيرات أيضا انشغال الناس بأنفسهم وهمومهم ، والركض المخيف وراء العمل ولقمة العيش حتى أصبح الحصول على المادة هو الهدف على حساب الكثير من القيم والمبادئ.. ! التي تربينا عليها وعشناها دهرا من الزمن ، نحن بحاجة إلى صحوة اجتماعية تفيقنا من المخاطر التي أنزلقنا إليها ، فديننا جميل وعظيم اعطى كل شئ حقه ونظم لنا حياتنا لنستمع بجمال الدنيا ونعمل من أجل آخرتنا .
– القامات الاجتماعية الدبلوماسية.. من تتذكرون منها ،والتي كان لها أثر بارز على شخصكم ؟
 كثيرة هي القامات الدبلوماسية التي تشرفت بالعمل معها ، فذاك سعود الفيصل -رحمه الله -رجل الدبلوماسية الأول الذي نهلت أنا وأبناء جيلي من الدبلوماسيين السعوديين ولسنوات طويلة من مدرسته المميزة.. ، وكان لي شرف مرافقته في العديد من المؤتمرات واللقاءات والاجتماعات داخل وخارج وزارة الخارجية، أذكر هنا أن بداياتي كما أسلفت مع السفير المرحوم- باذن الله – عباس غزاوي الذي استفدت منه الكثير ، ثم لا أنسى معلمي وأستاذي معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور نزار مدني -حفظه الله- والذي أكن له الكثير من التقدير والاحترام . طويلة هي قائمة القامات التي تشرفت بالعمل معها ومزاملتها والتي احتفظ بأجمل الذكريات والمواقف معها .
– ماهي أصعب المواقف الدبلوماسية التي مرت عليكم أو على زملائكم.. وكيف كان التصرف معها؟وهل مازلت تعتقد أنه التصرف المناسب!؟
 خلال أكثر من ٣٧ عاما من العمل في وزارة الخارجية وسفارات المملكة في الخارج فمن المؤكد أن كثيرا من الأحداث الصعبة والمواقف قد مرت  علي وزملائي. أذكر على سبيل المثال أني اخترت وعدد من زملائي بلجنة العمليات التي تشكلت في الوزارة  لتعمل على مدار الساعة أثر الغزو العراقي للكويت، فكنا نتناوب العمل في الوزارة في عز برد الرياض التي خلت من أهلها لنعمل تحت أقبية الوزارة بكثافة أعمال غير طبيعية وعلى أسماع نغمات صفارات الإنذار وتدميرصواريخ سكود في سماء الرياض كانت فترة عصيبة وقاسية. إلا أن الروح التي كنانعمل بها كانت الحافز والمشجع ، ولم تحل لجنة العمليات إلا بتحرير الكويت وعودتها إلى أهلها وعودة أهلها لها بفضل الله ثم بفضل إدارة ولاة الأمر الحكيمة .
-السياسة والاقتصاد..أو الاقتصاد والسياسة..حقيقة من يقود الآخر؟
 من يقود الآخر السياسة أم الاقتصاد ؟ حقيقة هذا السؤال حير المختصين..! فرجال السياسة يقولون بأنهم من يقود الاقتصاد والعكس صحيح ، وفي رأيي أن السياسة والاقتصاد هما وجهان  لعملة واحدة ، أقولها من واقع تجربة ، فعلاقات الدول مثلا إذا كانت سياسيا منسجمة وتتوافق الرؤى في كثير من القضايا.. فذلك مدخل لاقتصاد وتبادل اقتصادي جيد بين البلدين ، وإذا كانت العلاقات الاقتصادية  والميزان التجاري بين بلدين قوي جدا.. فهذا أيضا يعتبر ورقة ضغط رابحة للدول التي تضخ أموالا ضخمة في ميزانية الدول الأخري فتستطيع أن تغير مواقفها لصالحها ، فالقيادات الذكية هي التي تستطيع أن تستخدم السياسة والاقتصاد منسجمة في علاقاتها مع الدول الأخرى .
– ماهي الأحداث التأريخية الشهيرة في حياتكم الدبلوماسية.. ولم تمحى من الذاكرة حتى الآن ؟
 بتاريخ ١١ سبتمبر ٢٠٠١م كنت أعمل  رئيسا للقسم القنصلي بسفارة المملكة في واشنطن ، وكنت كعادتي صباح ذلك اليوم متوجها إلى عملي بالسفارة الذي أمر في طريقي إليها بمبنى وزارةالدفاع الأمريكية ( البنتاجون ) ، إلا إن زحمة المرور كانت غير طبيعية وتجاوزت الحد المعقول بكثير ، عرفت حينها أن أمراً جللاً قد حدث ، وبمتابعة الراديو بدأت الصورة تتضح وأن هجوما بالطائرات قد حل على عدة مواقع ومنها وزارة الدفاع ، بعد جهد جهيد وصلت لمكتبي وإذا بالأخبار المتضاربة تتوارد على السفارة ، كان وقتها أعداد الطلبة السعوديين وأسرهم والعائلات المقيمة في الولايات المتحدة بعشرات الآلاف ، وكمسؤول عن القسم القنصلي بالسفارة كنت وزملائي نعمل على مدار الساعة ، خاصة وأن العديد من الطلبة السعوديين كانوا يتعرضون لعمليات اعتقال وسجن وتسفير ، فكانت متابعة تلك الأمور مع قنصليات المملكة الأخرى في المدن الامريكية تتطلب سرعة العمل والتواصل والتنسيق مع العديد من الجهات الامريكية وتكليف محامين للمعتقلين ومتابعتهم ، كل ذلك كان يتم بمتابعة دقيقية من سمو السفير بندر بن سلطان.. كان فترة عصيبة مرت على سفارة المملكة في واشنطن وقنصلياتها في المدن الأخرى وعلى الطلبة المقيمين السعوديين ، ولولا الحكمة التي عولجت بها تلك الأزمة لكانت الأمور أسوأ بكثير مما كانت عليه . 
-تتعارض الأنشطة السياسية أحيانا مع القيم الاجتماعية .. كيف يحل هذا الإشكال؟
نعم ، هناك بعض الأنشطة الدبلوماسية التي تتعارض مع التعاليم الاسلامية والعادات والتقاليد ، ولكن بحكمة الدبلوماسي وهدوءه يستطيع أن يتغلب عليها دون أن يشعر أحد ممن حوله ، فحضور مناسبات رسمية في نهار رمضان مثلاً في دول غير إسلامية وتقدم فيها المأكولات والمشروبات  في حين يكون حضور المناسبة مهم جداً ، فمن الضروري المشاركة إثبات التواجد باسم المملكة، ومن ثم الاعتذار بالانصراف قبل موعد الطعام بالرغم من أنه بات معروفا لدى الدول غيرالإسلاميةوالوسط  الدبلوماسي  بأننا في شهر رمضان وأن الأكل والشرب يمنعان فيه فهم يقدرون ذلك ويحترمونه، وهكذا أمثلة مشابهة .
-هناك مقولة “لأرسطو”مفادها إلى  أن الفعل السياسي ليس نتاج معرفة بقدر ماهو مرتبط بغرائز التملك والبقاء والسيطرة والعدوانية.. ماتعليقكم؟
– قد اختلف مع أرسطو في مقولته ، فالزمان غير الزمان وتختلف المتغيرات بين جيل وجيل فكيف بين حضارة وحضارة؟، بالعكس العمل السياسي نتاج معرفة وممارسة،فدهاليز السياسة متشعبة ومتفرعة وبعضها حالك الظلمة ، في النهاية هو أن تكون لي مصلحة مع الطرف الآخر وكيف أحققها لصالحي بأقل التكاليف ، وهذا يتطلب الحكمة والدهاء ومعرفة من أمامك . 
– ماذا ترغبون قوله للملتحقين حديثا في السلك الدبلوماسي؟
دينكم ثم بلادكم يأتيان في المقام الأول ، العمل التقليدي الذي كان سائدا في السابق قد اختلف ، عليكم التسلح بالدين ،والتعقل، والحكمة، والدفاع بما أوتيتم من قوة وحكمة عن دينكم وبلادكم فكلاهما مستهدف ، اللغات هي مفتاحكم للاختلاط مع الشعوب الأخرى تكلموا لغاتهم وقولوا لهم من نحن وماهي حضارتنا وثقافتنا .
-رسالة خاصة للزملاء الذين عملتم معهم سابقا.
 على مدى أكثر من ٣٧ عاما قضيتها بين أروقة الخارجية وعدد من سفاراتنا في الخارج تزاملت..مع عشرات الرؤساء ومئات الزملاء..أقول لهم الآن : كنتم سندي وعزوتي ، تعلمت ولازلت أتعلم الكثير منكم ، قضينا أمتع الأوقات في الغربة،وكنتم بمكانة أخواني الذين حرمت منهم ، العمل ينتهي وتبقى الذكريات الجميلة عالقة في الذاكرة لا تنتهي .
-من المناسبات الدبلوماسية المعتادة الاحتفال باليوم الوطني،ماهو تقييمكم لاحتفال سفارتنا بهذا اليوم بكل شفافية؟ 
 تحتفل سفاراتنا في كل عام باليوم الوطني ؛ لتعكس صورة مشرفة عن هذا الوطن، أكاد أجزم بأن احتفالات السفارات السعودية بهذه المناسبة تكاد تكون واحدة من المناسبات المنتظرة والتي يحرص الجميع على حضورها ، أولا لحب هذه البلاد وقادتها وشعبها ، ثم لما تقدمه السفارات من تميز يختلف عما يقدمه غيرها !.
– ماذا تحملون من طرف دبلوماسية في دواخلكم ؟
 أذكر أن الأمير سعود الفيصل- رحمه الله -جاء إلى الأرجنتين في عام ٢٠٠٧م عندما كنت سفيرا بها؛ وذلك لترأس وفد المملكة في اجتماعات الأسبا ( الحوار العربي اللاتيني ) وبعد يوم حافل من الاجتماعات عدنا في المساء إلى الفندق الذي يقيم فيه سموه وقد رافقته إلى جناحه الخاص ، وبعد الحديث ذكرت سموه بالعشاء الذي يقيمه وزير الخارجية الأرجنتيني على شرف رؤساء الوفود ، فنظر إلي سموه بنظرة فيها مداعبة وقال : روح عني … ! سكتت للحظات وسألته : أروح عنك المناسبة أو انصرف ؟ فقال مداعبا : الاثنين .. رحمه الله كان يتميز وبالرغم من ثقل حجم المسؤوليات بالروح المرحة التي تذيب التوتر في أصعب المواقف .
– كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة للناس في كل مكان.. ما أثر هذه الوسائل على قناعات المجتمع ؟
 نعم ، مع وسائل التواصل الاجتماعي وتعامل الناس اللصيق أصبح الخبر ينتشر في التو واللحظة، وهذا سلاح ذو حدين ، ولو لم يستخدم الدبلوماسي هذا السلاح بحرفية ومهارة لفتك به وأنهاه ! ، وحتى مستخدمي تلك الوسائل من العامة أقول لاتصدق كل ما يرد إليك فالأخبار لها مصادرها الصحيحة ، كن أداة إصلاح باستخدامها ولا تكن معول هدم .
– تظل للأفراح أوقات جميلة لاتنسى ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة؟
يقال أن ساعة الفرح لاتعوض،أصبحت  لحظات الأفراح في حياتنا عزيزة ولابد من خلق فرصها لننعم بالحياة ، من أجمل لحظات الفرح في حياتي هي تلك اللحظة التي أقبل فيها يدي والدتي بعد كل غياب عنها فسفراتي طويلة وبعيدة ، وفي كل مرة أودعها اسأل الله بأن لا يحرمني من رؤيتها وتقبيل جبينها ورأسها الطاهر مرة اخري، حفظها الله من كل سوء .
-الأحزان في الحياة سنة ماضية.. ماهو الموقف الحزين الذي يصاحبكم باستمرار سعادة السفير ؟
 خوفي من أية مفاجآت غير سارة وأنا في غربتي يسبب لي قلقا مستديما ! ، أعود واسأل الله بأن يحفظني وأهلي ومن أحب من كل سوء ، فلا راد لقضاءه إلا هو سبحانه وتعالى .
-كيف تقضون أوقات فراغكم في الوقت الحالي؟
 كثير من أوقات الفراغ تمر علي حاليا في النرويج ، أحاول أن أقضيها في القراءة ، ومتابعة أحداث العالم وشئ من رياضة المشي والاستمتاع بطبيعة النرويج الجميلة . 
-لو عادت بكم الأيام ماذا تتمنون؟
٢٦- لو عادت بي الأيام أتمنى العودة إلى أيام الزمن الجميل الخالي كل التعقيدات التي نعيشها حاليا، وما يبكيني هو الأحداث الدائرة حولنا ، كلما شعرنا بأن الفرج قد اقترب اختلطت الأوراق من جديد ! ، أسأل الله بأن يحفظ هذه البلاد وقادتها وأهلها وأن يحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا .
– لمن تقولون لن ننساكم؟
أقول لن ننساكم لكل أحبتي الذين ودعونا وغادروا هذه الحياة .
س-ولمن تقولون ماكان العشم منكم؟
 ماكان العشم أقولها لأشقائنا في دولة قطر ! .
– التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية..تقولون لمن سامحونا؟ وتقولون لمن سامحناكم؟
أقول سامحونا لزوجتي وأبنائي الذين أشعر بأني أغيب عنهم كثيرا، ولا اوفيهم حقهم بقربي منهم ! ، وأقول سامحتكم لكل من أساء لي بعلمي أو بدون أن أعرف .
– كلمة أخيرة سعادة السفير عصام عابد في ختام هذا اللقاء .
 أختم لقائي هذا بالشكر لكم أستاذ عبدالرحمن بأن أتحتم لنا هذه الفرصة لأقول لأحبتي من أنا .. مع دعوة الباري  عز وجل بأن يديم علينا نعمه ويسبغ علينا ستره وأن يحفظنا وبلادنا ممن يتربصون بنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى