
(مكة) – عبدالرحمن عبدالقادر الأحمدي
تواصل صحيفة مكة الإلكترونية لقاءاتها الرمضانية ، والإلتقاء بعدد من الشخصيات المجتمعية الفاعلة لنستعيد معهم ذكريات الماضي وبداياتهم العملية في تلك الحقبة الزمنية الهامة .
ضيفنا اليوم الدكتور/ عمر بن محمد العماري، نتعرف معه على بعض الجوانب من حياته العملية.
في البدء نتعرف على ابن مكة المكرمة.
الاسم الدكتور.. عمر بن محمد العماري. من مواليد مكة المكرمة عام ١٣٧٣٣ هجرية. متزوج ولي من الأبناء ٦ بنات .
في أي حارة كانت نشأتكم ؟
ولدت و ترعرعت في حارة شعبة المغاربة العتيبية .
أين تلقيتم تعليمكم؟
تلقيت تعليمي الابتدائي بمدرسة العتيبية – عبدالرحمن الناصر حاليا-، المرحلة المتوسطة بمدرسة أم القري المتوسطة، والمرحلة الثانوية بمدرسة مكة الثانوية. المرحلة الجامعية بجامعة الملك عبدالعزيز و الدراسات العليا الماجستير و الدكتوراة بالولايات المتحدة الامريكية .
ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة ؟
الذاكرة لا تغيب بل تبقي و تعود من فترة لفترة.تبقي ومهما بعدنا عن الحارة..عبقها يفوح كلما زرتها ، وأكون حريصا على زيارتها .
في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية.. ماذا كنتم تأملون حينها دكتور ؟
كنت آمل ان أكون إنسانا يخدم وطنه. كنت أحلم أن أكون مهندسا مدنيا له دور في تخطيط المدن لتضاهي مدن العالم. وانتهى المقام بي أن أكون مساعدا لأبناء الوطن في التدريس و الإشراف علي المبتعثين و تدريب الأطباء .
تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة ومتينة..ماهي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت؟
الأصول المتعارف عليها الاحترام و التقدير. كانت هناك الأسرة بالمعني الحقيقي، وكان لها دورا كبيرا في التربية. كان التقاء جميع أفراد الاسرة إلزامي يدور فيها وتناقش جميع الأمور و تصدر التوجيهات و تحل الأمور .
في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد المكية في تكوينها ما أبرزها؟
الطيبة، والبساطة ،وحب الخير،ومساعدة الغير من سمات أهل مكة المكرمة.
الأمثال الشعبية القديمة لها أثر بالغ في النفس..ماهي الأمثال التي لازالت باقية في الذهن؟ ولماذا؟
من الأمثال القديمة المثل المكاوي: اللي يشوفني بعين اشوفه باتنين . وهذا يعبر عن أصل أهل مكةالمكرمة في رد الجميل للشخص الذي يسدي معروفا، و مثل آخر: الباب اللي يجيك منه الريح سد واستريح وهو مثل واقعي لتجنب المشاكل و البعد عنها .
الحياة الوظيفية..أين كان لشخصكم القدير أول بداياتها وآخرها؟
بدايات حياتي العملية في الواقع عندما كنت طالبا بكلية جامعة الملك عبدالعزيز بنظام الساعات. كما عملت مساعد مدرس خلال دراستي للماجستير و الدكتوراه في أمريكا. عضو هيئة تدريس بجامعة الملك خالد بابها، ثم نائب الملحق الثقافي السعودي في كندا و أخيراً استقر ترحالي نائب مدير الشؤون الأكاديمية و التدريب و الابتعاث بمستشفي الملك فيصل التخصصي و مركز الأبحاث بجدة .
شهر رمضان و شهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها .
شهر رمضان في مكة المكرمة له طابع مميز ومختلف عن كثير من الأماكن حيث كتب لي الصيام في أمريكا و كندا و أبها و جدة. رمضان له متعة كان مدفع الإفطار له مكانة خاصه، كذلك قبل أذان المغرب تشاهد أبناءالحارة يتسابقون من بيت إلى بيت ؛ لمشاركة الجيران بأطباق الإفطار.
الحج في مكة يهب له جميع أبناء مكة في مساعدة الحجيج بكافة الطرق من إرشاد و مواصلات و تقديم الأطعمة. و بالنسبة لنا كنّا نفرح بيوم عرفة؛ لصيامه و الذهاب ألى الحرم للإفطار ؛ لأنه يكون خالي من الحجيج وتري الأسر مجتمعة في أنحاء الحرم .
تغيرت أدوار العمد في الوقت الحاضر وأصبحت محددة..كيف كان سابقا دور العمدة في الحي ؟
دور العمدة في السابق دور فعال و نشط. كانت لديه دراية كاملة بسكان الحارة صغيرهم و كبيرهم ،و له كلمة فصل في حل المشاكل. حريص في التجوال في الحارة وكان المرجع الحقيقي لها .
القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور الملفت في الحارة ؟
بجانب والدي العم عمر العماري و العم عمر باعشن والعم علي الاحمدي و العم عِوَض الاحمدي و العم عبدالله جروان و العم عبدالعزيز بن نصار-غفر الله لهم جميعا -ومن هم على قيد الحياة العم زارع الاحمدي و خالي أحمد العماري .
هل تتذكرون موقف شخصي مؤثر حصل لكم ولا تنسوه؟
هذا الموقف هو وفاة والدي- الله يرحمه -ويُغمد روحه الجنة. كان هذا يوم العيد حيث طلب منا كعادته في هذا المناسبة بالاستعداد و اللبس للتوجه إلى الحرم لصلاة الفجر ،ثم لصلاة العيد.. ولكن الفرحة لم تكتمل حيث داهمته ذبحة صدريه وفي ثواني انتقلت روحه إلى الباري. هذا الموقف يتكرر في كل عيد نجتازه بالدعاء له.
المدرسة والمعلم والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف المختلفة..هل تعرفونا علي بعض منها؟
هنالك مواقف مرتبطة ببعضها .. ومن المواقف التي أذكرها بالمرحلة المتوسطة و كان قرب نهاية العام الدراسي وحصلت مشكلة بين أحد الطلاب و طالب صديق عزيز بالألفاظ.. وتدخلت للفصل بينهم وإبعاد صديقي..ولاحظ المراقب الأحداث و اعتقد أنني من تسبب في المشكلة.. وقام فورا بضربي بالعصى و سحبي إلى مكتب وكيل المدرسة الذي نهض مستغربا و قال للمراقب مستحيل يحدث من هذا الطالب المميز !. وعندما اتضحت الحقيقة قام المراقب بالاعتذار ، وفي اليوم الثاني حضر للفصل معتذرا و مقدما هدية لي محت ما في نفسي من زعل علي المراقب و كان موقفا مشرفا من المراقب أعتز به و للأسف تخونني الذاكرة تذكر اسم المراقب.
كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان.. ماهي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق؟ وما أثرها على أفراد المجتمع آنذاك ؟
وسائل الاعلام كانت محدودة في ذلك الوقت منها الصحف الورقية و الإذاعة ( الراديو) و التلفزيون. كانت الصحف المصدر الأساسي للمجتمع لتلقي الأخبار . ومنها نتائج الامتحانات النهائية و كانت هناك و اسطة لشراء الصحف ! الراديو كان له دور هام..خاصة عند كبار السن . ونشاهدهم و هم مجتمعون للا ستماع للأخبار من الإذاعات العربية والعالمية. وعند ظهور التلفزيون كان هناك جهاز واحد يمتلكه العم عمر باعشن-يرحمه الله- نجتمع عنده لمشاهدة هذا الاختراع العظيم !.
تظل للأفراح وقفات جميلة لا تنسى في الحي..ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة ؟ وكيف كانت ؟
الأفراح أيام زمان كانت لها طعم و حلاوة. كانت غير . كانت الأفراح تقام في بيوت الحارة.. ليس في قاعات الأفراح كما هو الآن. رغم صغر مساحات البيوت لكن القلوب كانت أوسع. كان الكل يشارك من رجال و نساء الحارة. الجميع يتعاون بتجهيز منازلهم ؛ لاستقبال الضيوف بالقهوة و التمر وتوزيع المهام في تقديم الواجبات، وفرش السفر و الألعاب الشعبية كالمزمار و تكون الحارة بالكامل في فرح و سرور، وتشاهد الأطفال و هم غاية الفرح و الانبساط ليس كاليوم لا يشاركون بالأفراح ! .
الأحزان في الحياة سنة ماضية..كيف كان لأهل الحي التخفيف من وقعها ؟
كان لأهل الحارة دور كبير في المواساة ، و تخفيف المصاب علي الجيران والوقوف بجانبهم،ويشعرونك بأنهم من أفرادأسرتك و هذا يكون له دور هام في التخفيف من الأحزان .
الأحداث التاريخية الشهيرة في حياتكم والتي عايشتها.. هل تتذكرونها..وما الأبرز من تفاصيلها؟
من الأحداث التأريخية الشهيرة هي وفاة ( مقتل ) الملك فيصل بن عبدالعزيز. تلك الفترة كنت بالسنة الثانية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وقد عرفت بالخبر من بعض الطلاب ،وكنت مكذبا للخبر ،وغير مصدقا أن شخصية بهذه القامة و محبته في قلوب أبناء الشعب أن يفقد بهذه السهولة ! ويقتل ، ولم أصدق الخبر حتي اتصلت بصديق لي بمكتب إمارة مكة ؛ لمعرفة حقيقة الخبر الذي أكدت الإمارة ذلك . ووقتها استسلمت لقضاء الله تعالى وقدره، وذرفت الدموع حزنا على فقدان ملك القوة و الشجاعة و ذهبت مع مجموعة من الأصدقاء لتقديم واجب العزاء بمقر إمارة منطقة مكة المكرمة بجدة .
ماهي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها حارة شعبة المغاربة ؟
هناك ألعاب كثيرة اشتهرت به الحارة كغيرها من حارات مكة. من هذا الألعاب البرجون ، و القب ، والزقيطة ، والشرعة.
لو كان الفقر رجلا لقتلته مقولة عظيمة لسيدنا علي رضي الله عنه..هل تروون بعضا من قصص الفقر المؤلمة ؟
أولا إن مفهوم الفقر في عصرنا مختلف وقد يكون تفسير الفقر.. قد يكون فقر مادي ، وفقر علمي، و فقر فكري ، وفقر ديني و اجتماعي. و المشاهد الآن الفقر الاجتماعي تشاهد الأسر تباعدت عن بعضها ، واجتماعاتها قلت هذا اعتبره أنا الفقر الحقيقي .
ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة؟
اشتقنا لكم ، واشتقنا لجلسات السمر .
رسالة لأهالي الأحياء الجديدة..وماذا يعجبكم الآن فيهم؟
رسالتي لأهالي الأحياء الجديدة، تعارفوا تواصلوا تزاوروا.. أقيموا روابط الجيرة بينكم..احموا الحي من الغرباء !. في الماضي الجيران كالأسرة الواحدة لدرجة أن الجيران يعرفوا ضيوف و أقارب بعضهم. الوقت الحاضر الجار قد لا يعرف من هو جاره أو أبناء جاره و هذا لا يعجبني .
كيف تقضون أوقات فراغكم في الوقت الحالي؟
لقد تقاعدت حديثا..و هذا أعطاني الوقت لقضاء الوقت مع أسرتي في المقام الأول، وإعادة معرفة أسرتك بعد البعد الذي سببه العمل والساعات الطويلة. الاجتماعات الأسرية و مناقشة المواضيع الأسرية علي طاولة الغداء أولعشاء و جلسات القهوة والشاي بدلا من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي .
لوعادت بكم الأيام ماذا تتمنون ؟
أتمني أن أعانق و أحب رأس كل الذين افتقدناهم، و كان لهم دور في تربيتنا ونخبرهم عن الأوضاع التي لا تسر الآن !. و نعيد الذكريات مع شباب الحارة.. عجائز اليوم.. كيف كنا وكيف أصبحنا ؟.
بصراحة..مالذي يبكيكم في الوقت الحاضر ؟
يبكيني ضياع العلاقة الحميمة،والروابط القوية بين جيران الحارة ليس الحارة فقط..بل قد تصل بين سكان العمارة. و هذا شئ محزن ! .
ماذا تحملون من طرف جميلة في دواخلكم؟
كأبناء حارة واحدة تحصل هناك خصومات وقد تؤدي إلى اشتباك بالأيادي، و في إحدى المرات حصل اشتباك مع أحد أبناء الحارة و من الجيران بعد خروجنا من المدرسة الابتدائية و كانت الغلبةلي، وأصابه جرحا بسبب المضارية و من الخوف لردة فعل والدي على هذا الفعل هربت إلى المنزل و تظاهرت بالنوم و لكن لم يشفع لي ذلك حيث عرف الوالد بالمشكلة و بصوته العالي ينادي علي.. وقفزت من الفراش وأول سؤال ماذا فعلت بابن الجيران..؟ و حاولت شرح القضية ولم يسمح لي فقط بالرد بنعم أولا. بعدها تحصلت على كف و مسك الإذن،والذهاب إلى بيت الجيران و طرقت الباب و خرج والده فقال له والدي هذا عمر أخطأ في حق ابنك و هذه العصى أدبه ! وحاول الجار أن يشفع لي من العقاب و أمام إصرار والدي قال سوف أأدبه،لكن لا تسأل كيف أأدبه و أخذ العصى و ضربني ضربة خفيفة و اكتفي. هذا يدل على التربية والاحترام المتبادل بين الجيران و عدم التعدي..خلاف ما نراه اليوم مشاكل الصغار يقع فيها الكبار .
لمن تقولون لن ننساكم؟
لوالدي الذين تعبا في تربيتي.. أقول لن أنساكما، وأدعو الله أن يسكنهما أعلي جنات النعيم بالفردوس الأعلى.. أقول كذلك لكبار رجال الحارة الذين كان لهم دور في التربية و خلق روح المحبة و الاحترام لمن غادر الدنيا غفر الله لكم وأسكنكم فسيح جناته، و من هو حي جزاكم الله خير و أطال الله في عمركم.
ولمن تقولون ما كان العشم منكم ؟
وجود الطيبة و التسامح بين أبناء الحارة لم يترك أسى أو حزن أوأسف في نفسي لا يمضي يوم إلا و نكون متصالحين .
التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. تقولون لمن سامحونا..وتقولون لمن سامحناكم؟
أقول لجميع ساكني الحارة.. القلب أبيض و يحمل كل محبة و تقدير و ليس في خاطري أية شائبة و سامحوني إن حصل أية خطأ أو تقصير في حقكم.
كلمة أخيرة في ختام لقاء ابن مكة الدكتور عمر العماري .
مكة حبي و عشقي ماينتهي..لها ذكريات غالية لاتنسي ما عشت. فيها قضيت أجمل فترة حياتي الطفولية و الشبابية في حواري وأزقة مكة. مكة لها روحانية خاصة.كما أتقدم بالشكر لصحيفة مكة الالكترونية.






