حمد الكنتي

تاريخ الأسرار!

لأن الأسرار تعتبر من العوالم الخفية؛ فإن الناس بشكل عام يحبون معرفتها، ولكنهم في تلك المحبة درجات: فهنالك من يُحب أن يطلع على أسرار من يحب ويكره، وغيره يحب الاطلاع على أسرار أهله وأقاربه فقط.
وتجد آخر يحب الاطلاع على أسرار الجميع بما فيها أسرار الدول، وهناك الفضولي الذي قد يتجسس على جيرانه وأهل الحي؛ لكي يعرف خباياهم! وهم كُثر في هذا المجال ولا ينتهي حصرهم.
ولكي تعرف شغف الناس بمعرفة السرّ انظر إليهم حينما يشاهدون شخصين يتساران بشيء لترى الجميع يصمتون فجأة لكي يعرفون ماذا يقولون! وإذا تعذّر ذلك وجدت البعض يسترق السمع من هنا وهناك لعله يظفر بشيء!.
وتاريخ صلاحية الأسرار يختلف فهنالك سر يمكن أن يقال بسرعة، وسر يمكن أن يقال بعد عدة سنوات، وسر يمكن أن يقال بعد انتهاء أسبابه، وسر عميق يمكن أن يدفن في القبر مع صاحبه.
فالسرّ الذي يمكن أن يقال بسرعة هو الشخص الذي يبحث عنه أهله، ويظنون أن به ضررًا فيجب أن يقول صاحبه لهم مكانه ويطمئنهم عليه.
والسر الذي يمكن أن يقال بعد عدة سنوات هي أسرار الرجال الكبار الذين يمكنهم أن يسردوا شيئًا من أسرار طيّشهم أيام الشباب في مرحلة يمكن أن يقال فيها ذلك.
والسر الذي يقال بعد انتهاء أسبابه هو أن يطمح شخص؛ لتحقيق هدف معين ويواصل العمل عليه حتى يحققه وبعد ذلك يعلن نجاحه فيه للناس؛ لأن الخبراء يقولون دائمًا لا تخبر الناس بأهدافك فتكسل عن القيام بها.
وأما فيما يتعلق بالأسرار التي يمكن أن تدفن مع صاحبها في قبره تلك الأسرار التي لو قيلت ستضر الإنسان في حياته، وربما تؤدي به للمهالك فيحتفظ بها للأبد.
وبالنسبة للسياسة فإن الكثير من الدول في العالم يعلنون بعض الأسرار بعد مضي ثلاثين عامًا عليها، وهذا ما نراه أيضًا في مذكرات الرؤساء؛ حيث يتحدث الرئيس السابق في مذكراته عن الكثير من التفاصيل التي لم يكن ليذكرها حينما كان على رأس العمل.
ويمكنهم في السياسة أيضًا أن يتحدثوا عن أسرار الأموات، فيخبرونا بماذا فعلوا وماذا كان يجب عليهم أن يفعلوا، وكيف نستفيد من كل ذلك في بناء المستقبل.
وفي البوح بالأسرار يختلف الناس: فهنالك من لا يبوح بشكل غالب أو يبوح لمن يثق به حتى ولو لم يحبه.
وآخر يبوح لمن أحب فإذا ارتاح لشخص، وأحبه قال له كل شيء.
ومن الناس من يحب البوح للغرباء في وسائل المواصلات والقطارات فيحكي لهم القصص التي يعرف بأنها لن تصل إلى أهله وأصدقائه، وأنها ستبقى على كراسي القطار والحافلة والطائرة وبقية وسائل المواصلات.
وفي تلقي الناس للسر اختلاف أيضًا: فهنالك من يُسر جدًا بتلقي سر معين، وآخر يستخدم السر كورقة رابحة يجني من خلفه ثمارًا كبيرة! لسان حاله إما أن تعطيني كذا وكذا وإلا قلت لهم كل شيء!
ومن يحب شخصًا قد يُصدم جدًا إذا عرف عنه سرًا يجعله يخالف نظرته عنه، وهذا قد يندم جدًا إذا سمع ذلك السر، ويقول ليتني لم أعلم بذلك.
ومن لا يستطيع الحفاظ على السر قد يقول لك إذا كان الأمر سرًا لا تخبرني به، فأنا طاقتي في حفظه ضعيفة وقد أبوح به في أي لحظة لأي شخص.
وبسبب هذا قد تنتهي علاقات، وتهدم بيوت بسبب إفشاء أسرار لم يكن لإظهارها أيّ حاجة ملّحة سوى زرع الفتنة بين الناس.
حكمة المقال:
قد تمتلك سرًا يكون في يدك كالقنبلة الذرية التي يمكنها تدمير مدينة كاملة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com