
استكمالًا لما بدأته صحيفة “مكة” الإلكترونية من رحلاتها الثقافية والمعرفية بين وجهاء مكة المكرمة وأعيانها وإحياء للذكريات والماضي الجميل، وعملًا بدورها في تناسخ المعرفة بين الأجيال تواصل في شهر رمضان المبارك نشر حوارات وأحاديث خاصة للتعرف على عراقة الماضي وأصالة الحاضر وملامح المستقبل.
وفي هذا اللقاء تحاور الصحيفة، أحد أبناء جدة البررة للحديث عن محطات هامة في حياته وحياة محافظة جدة على وجه التحديد والتغييرات الجذرية التي شهدتها المحافظة على مدار سنوات طويلة لتبقى الأجيال الجديدة على الإطلاع مما صنعته الأجيال السابقة.
1- في البدء نتعرف على ابن جدة؟
اسمي لؤي محمد حمزة، مواليد جدة ١٣٩١هـ، وتربيت فيها من أسرة كانت تتكون من أب وأم وأخ واحد اسمه وائل.
2- في أي حارة كانت ولادتكم أستاذ لؤي؟
ولادتي كانت في بيت والدي بحارة الهنداوية ثم انتقلنا لكيلو2 حيث عشت بعض الوقت هناك إلى أن نقلنا لشارع الستين حيث كان منزلنا آخر منزل في جدة وبعدنا كانت صحراء..!
3- أين تلقيتم تعليمكم؟
درست بمدارس الثغر النموذجية بجدة وتخرجت منها والتحقت بجامعة الملك عبدالعزيز وتخرجت منها.
4- ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة؟
ذكريات جميلة في الحواري التي عشت فيها كنت من هواة كرة القدم، وكنت أنزل يوميا مع أخي وائل لملعب الحارة؛ لنلعب ونجتمع مع أصدقاء الحارة، وكنت المرافق لوالدتي عندما كانت تذهب للسوق. بالإضافة لدخولي التمثيل منذ صغري والذي كان نقطة تحول في حياتي.
5- في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية.. ماذا كنتم تأملون حينها؟
في مرحلة الطفولة كنت معجبًا بالطيارين جدا، وزاد إعجابي عندما سمح لي الكابتن بدخول كابينة الطائرة والمشاهدة فزاد إعجابي وتمنيت أن أكون طيارا، بالإضافة إلى حبي الشديد للكرة وأن أصبح لاعبا.
6- تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة ومتينة.. ماهي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت؟
في الماضي كان الجميع يعلم ويتعلم، والجميع يربي، كنا نحترم الكبير والصغير، كلمة عيب كانت ترعبنا، ضميرنا يؤنبنا إذا غلطنا، متحابين مع بعضنا البعض، الزيارات لا تنتهي، ومترابطين بعضنا البعض.
7- في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد الجداوية في تكوينها ما أبرزها؟
بالإضافة إلى ما ذكر في الفقرة السادسة.. فالعادات والتقاليد الجداوية تجد روحهم المرحة، وتسامحهم، وحبهم للجميع، وتأقلمهم مع جميع الجنسيات والطبقات وهو ما تشكل في شخصيتي.
8- الأمثال الشعبية لها أثر بالغ في النفس.. ماهي الأمثال التي لازالت باقية في الذهن؟ ولماذا؟
من الأمثال التي أتذكرها (أكل وشرب وأرتوي وقال طبيخكم ما استوى)، وأيضا (لا تشتكي لي ولا أبكيلك الحال من بعضه).
9- الحياة الوظيفية.. أين كان لشخصكم القدير أول بداياتها؟ وآخرها؟
بعد تخرجي من الجامعة توظفت بالخطوط الجوية السعودية قسم المالية وإلى الآن أعمل هناك.
10- شهر رمضان وشهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها؟
شهر رمضان بالنسبة لي أحلى الشهور.. وكان الصيام متعة وأنا صغير.. بالنهار نقرأ القرآن الكريم، ونشاهد المغامرات بالتلفزيون، وأخرج مع والدي؛ للتسوق بالبلد؛ لأرى مظاهر رمضان الجميلة والرائعة، وكان طعم البليلة يختلف في رمضان وأتذكر كان والدي يأخذنا للعمرة من أول يوم في رمضان، وكنت أشارك بالدوريات الرمضانية، وأقوم بلف السمبوسة مع والدتي أيام جميله كانت.
11- القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور الملفت في الحارة؟
في الحارة العمدة صالح أبو الشامات -رحمه الله تعالى – أما من خارجها فكان الأمير فيصل بن فهد، والأمير سعود الفيصل، والدكتور غازي القصيبي، والكاتب الأستاذ عبدالله الجفري رحمهم الله جميعا.
12- هل تتذكرون موقفا شخصيا مؤثرا حصل لكم ولا تنسونه؟
وأنا في زيارة لتركيا ذهبت للمسجد يوم الجمعة برفقة ولدي الصغير مشعل وكان المسجد عدة أدوار وبدأت الصلاة وهو بجانبي وانسحب من جواري وأنا أصلي وبعد الصلاة بحثت عنه في المسجد وخارج المسجد وكنت في حالة رهيبة إلا أني سمعت صوته في أحد الأدوار وهو يبكي والحمد لله.
13- المدرسة، والمعلم، والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف المختلفة.. هل تعرفونا على بعض منها؟
أتذكر أنه كان لدينا مدرس رياضيات من مصر الشقيقة كنا نقف له وقت دخوله وكان يغني لنا (كل الحبايب إتنين إتنين وأنا لوحدي يا نور العين) وكان شديدا وذا هيبة والكل يخاف منه، وحصل مرة لم أقم بحل الواجب وأوقفني المدرس على رجل واحدة آخر الفصل أنا وزملائي.
14- كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان.. ماهي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق؟
التلفزيون كان الوسيلة الوحيدة المتوفرة في الماضي، والتلفون كان الوسيلة المتوفرة في الاتصال وكان تلفون واحد في البيت وانتظر دوري؛ لكي أتحدث مع أصدقائي وكانت الأخبار تاتينا عن طريق الهاتف أو إذا جاءنا شخص من أقاربنا، أو أصدقاءنا؛ لكي نعرف الأخبار.
16- تظل للأفراح وقفات جميلة لا تنسى في الحارة.. ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة؟ وكيف كانت؟
على أسطح العمائر كانت الأفراح والمناسبات وكنا يد واحدة نحن من يقوم بالتجهيز والتوضيب، ومساعدة بعضنا البعض، وقبلها نجتمع في بيت العرس بكذا يوم ونَأتي بالهدايا إذا كان العريس من طرفنا. كنا نهدي له مايسمى ( بقشة) بها سروال وفلينة وطاقية وغترة ونزفه بالسيارات من البيت لمكان العرس وبعد العرس نواصل زفه لبيته.
17- الأحزان في الحياة سنة ماضية.. كيف كان لأهل الحارة التخفيف من وقعها؟
كما كانوا يقفون في الأفراح فكانوا أيضا يقفون في الأحزان والمواساة، وكان الصديق بمثابة الأخ يقف معك ويواسيك في كل مشاكلك ويشاركك همومك ولا يتركك ويطمئن عليك ويخفف عنك. وكان الصديق وأهل الحارة عائلة واحدة في الضيق والحزن والكرب يقفون وقفة رجل واحد.
18- الأحداث التاريخية الشهيرة في حياتكم والتي عايشتها هل تتذكرونها.. وما الأبرز من تفاصيلها؟
من الأحداث التي عاصرتها حادثة اقتحام الحرم من قبل جهيمان، وحرب الخليج، وتأهل المنتخب السعودي الأول لكرة القدم لكأس العالم عام ٩٤ م. وصعود الأمير سلطان بن سلمان للفضاء.
19- ماهي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها حارة الهنداوية؟
كنا نلعب مايسمى بالبرجون، والكمكم.
20- لو كان الفقر رجلا لقتلته مقولة عظيمة لسيدنا علي رضي الله عنه.. هل تروون بعضا من قصص الفقر ألمؤلمة؟
ولله الحمد حالنا كان مستورا، وكان متوفرا لنا كل طلباتنا والحمد لله. كنت أسمع قصص تأتي للوالد وكان يكتبها في أعماله ومن هذه الأعمال سهرة تمثيلية بعنوان “وفاء الحب” وصور حالة أم وولد تركها زوجها وقضت حياتها في الرباط وكانت تذهب تخدم في البيوت وتغسل الملابس وكانوا على باب الله وكان ولدها يدرس ويحتاج مصاريف للمدرسة وغيرها من الحالات الأخرى، وأيضا بعد خسارة الناس للأسهم أصبح الوضع لبعض الناس حزين فمنهم من باع بيته ومنهم من عليه ديون ومنهم من سجن وترك أبناءه وزوجته يواجهون الحياة بأنفسهم.
21- ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة؟
أقول لهم :وحشتونا وزمان عنكم وأتمنى أن أراكم.
22- رسالة لأهالي الأحياء الجديدة.. وماذا يعجبكم الآن فيهم؟
مهم جدا أن يتعرف أهل الحارة على بعضهم البعض، وأن يتعرف الأبناء على بعضهم، والتواصل فيما بينهم رجال، ونساء.. والأهم عدم إيذاء الجار؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا بالجار.
23- كيف تقضون أوقات فراغكم في الوقت في الوقت الحالي؟
بعد رجوعي من عملي يتسنى لي الجلوس مع أفراد عائلتي ومناقشة ما حصل منا في هذا اليوم، والاتصال بالوالد والوالدة أو زيارتهم، وأحب أن أشاهد مباريات كرة القدم، وأحب القراءة جدا، والمشي، والرياضة.
24- لو عادت بكم الأيام أستاذ لؤي ماذا تتمنون؟
الحمد لله أنا راضي بما كتب لي الله ولكن لو عادت بي الأيام لرجوت أن أكون كاتب درامي يكتب ويناقش مشاكل المجتمع.
25- بصراحة.. ما الذي يبكيكم في الوقت الحاضر؟
ابتعاد بعض الشباب عن الصلاة، وضياع أوقات فراغهم فيما لا يفيد، والظلم الحاصل لبعض الناس.
26- ماذا تحملون من طرف جميلة في دواخلكم؟
أذكر في الصغر كنت ألعب مع أخي وائل وكانت بيده كاميرا حديد وقام برميها علي وشج رأسي وأصبح الدم يتساقط من رأسي كالماء وأدخلني وائل للمطبخ وحاول تخفيف ما قام به وعرف الوالد بذلك وقام بضربه.
27- أستاذ لؤي لمن تقولون لن ننساكم؟
لكل عزيز فارق هذه الحياة جدتي وعمي أخو أبي- رحمة الله عليهم- وأصدقاء لي كانو في المدرسة ورحلوا.
28- ولمن تقولون ما كان العشم منكم؟
هناك أناس كانوا أصدقاء وأحباب ولكن كانت صداقتهم مزيفة سامحهم الله..!
29- أستاذ لؤي لكم تجربة في الحياة كيف تصفونها؟
ولله الحمد أنا رجل قنوع وأحب البساطة في كل شيء.. فالحمد لله حياتي أحببتها وكانت مليئة بالسعادة والمغامرات رغم بعض العوائق ولكن راضي ولله الحمد. تفوقت في وظيفتي ولله الحمد، دخلت مجال التمثيل وحققت بعض النجاحات ولازلت أبحث نجاحات أخرى، دخلت مجال الكرة في النادي الأهلي كنت سأكمل المشوار ولكن الفن سحبني وأريد الآن أن أقف بجانب أولادي؛ لأحقق لهم بعد الله أمانيهم.
30- التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. تقولون لمن سامحونا؟ وتقولون لمن سامحناكم؟
أقول سامحني لكل إنسان وإنسانة كنت أراهم عاديين في نظري ولكن مواقفهم الإنسانية والرائعة جعلتني أغير نظرتي تجاههم. وأسامح كل من تكلم عني في ظهري أو فهمني خطأ.
31- كلمة أخيرة في ختام لقاء ابن جدة الأستاذ لؤي حمزة.
أشكرك أ. عبدالرحمن علي هذا اللقاء واستمتعت جدا باللقاء الشيق؛ لما يحويه من نقاط جميله تتعلق بالماضي وذكريات الماضي وأشكر صحيفة مكة الالكترونية، وأرجو من الله أن يحفظ هذه البلاد ومن فيها.