المقالات

الفنون الشعبية، إلى أين؟!

ربما يكون الإنسان بطبيعته ميالًا إلى التعبير عن انفعالاته بطرق شتى، وترتقي هذه الطرق من حيث الأثر كلما اشترك في الأمر حواس إنسانية أكثر، بما في ذلك غير المرئي كالحب والكره والسرور والحزن والرضا والغضب، وتؤدى تلك التعابير التي تسمى هنا (الفنون) فرديًّا أو جماعيًّا، ولعلني أُعمم الحكم أنه لا يوجد مجتمع من المجتمعات يخلو من هذه الفنون، قديمها وحديثها، ومتقدمها ورجعيها، وبحكم نشأتي في القرية، فقد ارتبطت بالفنون الشعبية مبكرًا، ولاحظت كثيرًا من تفاصيلها، وكنت أقرأ في الحضور الكثير والكثير مما يكفي لكتابة عشرات الصفحات عن مشهد قد لا يتجاوز بضع دقائق.
كنتُ أتأمَّل المشاركين، فأتفرس وجوههم وأقرأ سيرهم الذاتية تقريبًا في تفاعلهم مع الفن، وأكاد أميز من يعتصره الحزن، ومن يكاد يطير به الفرح، ومن يعيش حالة حب، ومن يمرُّ بأزمة نفسية، ومن تتلبسه حالة طاووسية من الزهو، بل إني أظن أن لكل شخص بصمة متفردة في هذا المجال، فلا يمكن أن تتطابق حركات اثنين تطابقًا تامًا مهمًا توحَّد الإيقاع وانسجم الصف.
أردد دائمًا أن تسمية هذه الفنون التي نُمارسها في مجتمعاتنا الشعبية بـ(التراث أو الموروث) تسمية غير مناسبة، فالموروث هو ما انتقل إلينا من الآباء والأجداد، وبقي كما هو، أي أنه يخص الموتى. أما ما يتداوله الأحياء ويعيشون فيه وبه، فهو واقع يخص الأحياء ويبقى للموتى فضل غرس النبتة، أما ثمارها وظلالها، فلا ينالهم منها شيء، وبرغم تطور الحياة بشتى مناحيها، وتغير الإنسان نفسه، حتى على مستوى الفكر والسلوك والأحاسيس، وبرغم ما يطرأ على العالم من الارتفاع إلى القمم والهبوط إلى القيعان، سيظل الناس يؤدون هذه الفنون، ليس كما تؤدى حاليًا بالتأكيد، بل بما يُناسب إيقاع الزمان والمكان والإنسان ذاته حينها.

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. لا ينبئك مثل خبير

    ابا متعب

    كنت اظنك فقط شاعرا
    ووجدتك اديبا حصيفا تجيد اختصار المسافه بين الحروف والصور الذهنيه وفوق هذا اختصرت الزمن بين النطق والمنطق
    يبدوا ان مخيلتك ترتكز على نوع آخر من الرياضيات

    المقال استوقفني ليضع في مخيلتي مفاهيم قد احتاجها حين ترمق عيني من يتحلج بين الصفوف

    مع سابق تحياتي

    احمد القطانه

  2. فعلا تلك الرقصات وذلك الخيال وتلك المعاني الخاصة والعامة كلها احاسيس فردية اوجماعية
    فالشاعر يسبح في عالم الخيال مستعينا بقافية
    يغرس فيها ازاهيره التي يعبق منها ومن شذاها
    ولايكاد يشاركه احد سوى بعض اقرانه من بني قافيته والبعض يطرب للجرس الموسيقي واخر للعاطفه وهكذا نختلف اونتفق مع الشاعر في ذائقته الشعرية والدليل اننا نفسر مكنونات الشاعر حسب عواطفنا لاحسب عاطفته
    نعم لولا اختلاف العواطف لما اطربنا ذلك الشعر التصويري
    شكرا دكتور دائما تحاول جاهدا بلسمة بعض الجراح
    ستبقى لنا بيت الحكمة اينما كنت
    ابوخالد الحسني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com