آراء متعددة

الدّعاء والاجتهاد.. المعادلة المضمونة

د. أنمار مطاوع

الدعاء مخّ العبادة.. والدعاء هو العبادة. الدعاء يعني التجاء من قوة العبد وقدرته إلى قوة الله وقدرته. فقيمة الدعاء العظمى تكمن في الإيمان بوجود القادر المدبّر.. وثقة في اللطيف العليم بالحال.. واستعانة بصاحب كن فيكون. الدعاء لله إيمان بالوحدانية.

كل أساليب الدعاء في ظاهرها وباطنها توقُّع الاستجابة ويقين بأن الله سبحانه وتعالى سيعطي عبده ما سأل.. إيمان صادق بـ(.. فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ..) وعد بإجابة الدعوة من المجيب جل في علاه.. من دون شك في تحقيقها؛ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ..) آية واضحة صريحة.. الدعاء بنيّة الأمل مع التحلي بالصبر، قال صلى الله عليه وسلم: (يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل).

إن الله سبحانه وتعالى يستجيب للدعاء بكل اللهجات – حتى وإن كان في اللغة لحن – كما يقول ابن تيمية: (.. بل ينبغي للداعي ألا يتكلف الإعراب).. وقال بعض السلف: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع. فالهدف هو التركيز على الإيمان بالاستجابة فقط.. والله تعالى يعلم القصد والمُراد.

نحن نبحث في كل شيء ونجتهد في كل شيء.. إلا الدعاء.. علماً أن فيه كل الخير وكل التوفيق.. ولا يحتاج إلى جهد.

كم من طالب يجتهد ويخلص في طلب العلم ويتحمل أوقات الملل في المذاكرة.. اعتقاداً منه أن في مذاكرته وحدها النجاح، وكم من موظف يعمل ويلتزم في عمله ويتحمل أزمات الحياة العملية ومشاكل الزملاء وتحدياتهم بكل ما فيها.. اعتقاداً منه أن في التزامه بالعمل سر تفوقه، وكم من والد يتعهد أبناءه بالرعاية ويتحمل من أجلهم قسوة الحياة ومشاقها.. اعتقاداً منه أن هذا التحمّل كفيل بالرعاية.. وكم.. وكم.. و(كم) هذه لا تنتهي. وهنا السؤال: هل كل من اجتهد نجح، وهل كل من التزم تفوّق، وهل كل من تحمّل المشاق ضمن النتيجة؟ الجواب (لا)؛ إذا لم يترافق كل ذلك بالدعاء.. فالدعاء هو الحظ الجميل، وهو الواسطة التي تعلو فوق كل واسطة، وهو الفرصة الأكبر من كل الفرص. لقد أغفلنا في حياتنا المادية الرفيق المثالي لكل اجتهاد.. أغفلنا الدعاء.

نعتقد أحياناً أن الدعاء فقط في المصائب والمصاعب، ونسينا أن نجعله رفيقنا حتى في النجاحات والإنجازات ولحظات الفوز والتفوق.. (.. رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي..) دعاء سليمان عليه السلام (.. فَسَخَّرْنَا لَهُ..) إجابة المولى، (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) دعاء موسى عليه السلام.. (.. قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ) إجابة المُجيب. الدعاء ليس مخصصاً للأنبياء والرسل وعباد الله الصالحين.. ولكنه مخصص لكل قلب خاشع مؤمن بالعطاء ومؤمن بالاستجابة.. لأن ذلك من تمام عبادة الله وكمال التوكل عليه وحسن الظن به والرجاء فيه. جاء في الإسرائيليات أن موسى عليه السلام قال: يا رب.. إنه لتعرض لي الحاجة من الدنيا فأستحي أن أسألك، فقال الله: سلني حتى ملح عجينك وعلف حمارك.

(.. إن الله يُحب أن يُسأل ويغضب إذا لم يُسأل).. الدعاء هو مفتاح كل صاحب حاجة.. ووسيلة كل باحث عن هدف.. الدعاء هو الطلب المباشر من قائل (كن فيكون).. (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ..).

نقلًا عن عكاظ
الاحد 29 يناير 2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى