عام

خطورة الأبحاث العلمية

تُشير الدراسات إلى أن لقاحات الحصبة وحدها حالت دون وقوع أكثر من (21) مليون حالة وفاة بين عامي “2000م -2017م”، كما أنها ساعدت في حماية الأطفال من الإصابة بأمراض يمكن أن تُسبب ضررًا خطيرًا لهم؛ لأنهم أشد عُرضة لخطر الوفاة خاصة خلال الشهور الأولى من الولادة.
ومن أهم هذه اللقاحات، لقاح التطعيم الثلاثي (MMR)، الذي أسهم بشكل فاعل في رفع مستوى مناعة الأطفال ضدَّ الأمراض الثلاثة الخطيرة: الحصبة (Measles)، والحصبة الألمانية (Rubella)، ومرض النُّكاف (Mumps)، وذلك بنسبة تفوق الـ ٩٨٪‏.
ولكن بعد سنواتٍ من استقرار الوسط الطبي على ضرورة هذا التطعيم وأهميته، كتب الدكتور البريطاني (أندرو جريمي ويكفيلد)، الطبيب والباحث في المستشفى الملكي العام بلندن (Royal Free Hospital) في عام ١٩٩٨م بحثًا انتهى فيه إلى وجود علاقة ترابط جزئي بين التطعيم الثلاثي (MMR) ومرض التوحد لدى الأطفال!
وقد نُشرتْ هذه الدراسة في واحدةٍ من أقوى المجلات الطبية، وهي مجلة (المشرط)(The Lancet) التي تُعتبر من أقدم وأشهر المجلات الطبية في العالم وأكثرها تميزًا؛ حيث تأسست سنة 1823م.
حظيتْ هذه الدراسة بصيتٍ هائلٍ، وانتشارٍ عجيبٍ، واستُشهد بها في عشراتِ الأبحاث الطبية، كما عمل عليها عددٌ كبيرٌ من الصحفيين والكتابِ، فنُشرتِ التحقيقات الصحفية، والمقالاتُ، والحواراتُ، وقد أدتْ هذه الضجة إلى امتناع عددٍ كبيرٍ من الآباء والأمهات عن تطعيم أولادهم.
ماذا كانت النتيجة؟
ارتفعت نسبة الوفياتِ بهذه الأمراض الثلاثة بين الأطفال ارتفاعًا ملحوظًا! إضافةً إلى كمٍّ هائلٍ من الإصابات المزمنة بين الأطفال البريطانيين!
بعد ستٍّ سنواتٍ من هذه الدراسة نشرتْ الصانداي تايمز سنة 2004م تحقيقًا موسعًا عن هذه الورقة البحثية للدكتور أندرو، كشف هذا التحقيق عن وجود شبهةِ تقاطع مصالح مالية، وتلاعب بالنتائج، وتبين من خلاله أن الباحثَ زوَّر نتائجه لخدمةِ مصالح جهاتٍ معينةٍ لم تقصّر في (إكرامِهِ) وإعطائه (المقابل المناسب)!
دفع هذا التحقيق العديد من الجهات الطبية الرصينة والمجموعات البحثية من بينها مجموعة (Cochran library) لإجراء بحوثها وتدقيقاتها، وأظهرت النتائج بصورة حتمية خلاف ما ادعاه الطبيب المذكور من وجود علاقة بين التطعيم الثلاثي ومرض التوحد لدى الأطفال.
وتم التحقيق مع الباحثِ من قِبل المجلس الطبي البريطاني، وشُطِبَ اسمه من سجلات الممارسين الطبيين، ومُنعَ من ممارسة الطب نهائيًا.
وصفتْ دراسة الطبيب أندرو بعد ذلك بأنها (الكذبة الطبية الأكثر دمارًا منذ مئة عام).
ما أردتُ إيضاحه من هذه القضية هو التأكيد على حساسية وخطورة الأبحاث العلمية، وضرورة أن يتذكر الباحث أن بحثه بعد نشره سيصبح مصدرًا لغيره من الأبحاث، وربما ترتب على العمل بنتائجه والأخذ بها العديد من الآثارِ.
إنَّ الباحثَ (مؤتمنٌ)، وحين يخونُ الباحثُ أمانته العلمية بتزوير نتائجه، أو بسرقةِ جهودِ غيره، أو بادِّعاءِ ما ليس له فإنه يتجرّد حينئذٍ من أخصِّ صفاتِ الباحثِ، وأهمها، ويتحولُ من (رمزٍ معرفيّ مضيءٍ)، ومساهمٍ في تطوير البشرية، إلى (عارٍ) على المجتمعِ العلميِّ برمِّته، بل على الإنسانيةِ كلها. وجديرٌ بمن نزلَ إلى هذه الدرجةِ ألا يكون له في المجتمع الأكاديمي والعلمي والمهني مكان.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. قال صلى الله عليه وسلم فإنَّما أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ: أنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عليه الحَدَّ،
    الأولى أن يعاقب من أفسد ذلك العالم الباحث، فعقابه يردعه فردا، ولكن عقاب تلك الشركه يردع الكثير، ولا أرى احدا تكلم عنهم أو عتقبهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com