إيوان مكة

من ريحان أمي.. تنبع القصيدة.. الشاعر حسن الزهراني يصافح القلوب بأبيات رثاء بعد 28 عامًا من الشجن

بعد غياب امتد لما يزيد عن ثمانيةٍ وعشرين عامًا من رحيل والدته، يعود الشاعر والأديب الأستاذ حسن الزهراني، رئيس نادي الباحة الأدبي، إلى حضن الشعر ببكائيةٍ مؤثرة، يرثي فيها أمه الراحلة، ويرسم ملامح حضورها الأبدي في وجدانه، مستعيدًا في كل بيتٍ حكاية حنان، ودرسًا في الوفاء، وموقفًا في الصبر.

في أبياتٍ تنبع من ألحان هزّار اليُتم، كتب الزهراني قصيدة حملت بين سطورها وجع الغياب، وإشراقة الحضور الباقي في القلب والضمير، لأمٍ لم تكن مجرد حضن، بل مدرسةً أولى في التربية والقيم، ومصدرًا للحب الذي لا يشيخ، وغرسًا من الإيمان والرضا الذي تَسرّب إلى قلب الشاعر وتكوينه الإنساني.

وفي لحظة شعرية نادرة، اختار الزهراني أن تكون دمعته الصباحية الساخنة عنوانًا لبداية القصيدة، في اعتذار شفيف إلى قرائه ومحبيه، مستأذنًا إياهم أن يدعوا لوالدته بالرحمة والمغفرة، ولأبيه ولكل من رحل، مؤكدًا أن مرارة الفقد لا تسكن، مهما امتدت السنين.

جاءت القصيدة بمثابة اعتراف وجداني بفضل الأم، واعتزاز بحنانها العابر للزمن، حيث كتب:

أدعو لمن علّمتني الصدق مُبحِرةً
بمهجتي في عُباب الحقّ والرشدِ

أدعو لمن عطّرت شعري ببسمتها
ومن سنا روحها يعتادني مددي

إنها قصيدة ليست كغيرها، بل وثيقة حب ووفاء لامرأة عظيمة، كانت أول من وضع بذرة الشعر والإيمان في قلب شاعر، وأول من بارك قافيته بقبلةٍ أموميةٍ لا تزال بيضاء على يده حتى اليوم.

وقد ختم الشاعر قصيدته بوصيتها الخالدة التي حفرت في روحه إلى الأبد:

وكان آخر ما قالتْهُ نظرتُها:
كُن رَاضِياً بقضاء الله يا ولدي

بهذه الروح المفعمة بالرضا والإيمان، يُهدينا حسن الزهراني قصيدةً جديدة، لكنها قديمة النبض، تُضاف إلى سجل الشعر الذي لا يُكتب بالحبر فقط، بل بدموع الحب وحنين الذاكرة.

عَامانِ تَقتَاتُ كَفّ الحزن من كبدي
‏والشمس تغزل شال الجمر من كَبَدي

‏عامـان أنثـر أبياتـي وأجمعهـا
‏لم تأتِ يوماً بما ينساب في خَلَـدي

‏عامان يشدو هَزار اليُتم في هدبـي
‏لَحنًا ، ويشربُ حيرانـاً مـن الرَّمـدِ

عامان ( ريحانُ أمي ) فوق محبرتي
‏يفـوح حبـاً وتحنانـاً إلـى الأبـدِ

وقبرها وهو تحت الأرض يحملنـي
‏إلى فضاءات بـوٍ حِ شاسـع الأمـد

‏أقاسمُ المُزن دمعـاً ، أستحيلُ يـداً
‏تمتدُّ تقتطف الأعلـى مـن البَرد

‏أبني على شرفـات النّجـم مِئذنـةً
‏تكبيرُها مُوصَلٌ بالعـرش لـم يَمِـدِ

إذا سجدتُ رفعـتُ القلـب مبتهلاً
‏إنـي علـى ثقـةٍ بالواحـد الأحـدِ

‏أدعو لِمَن عَلّمتني الصدق مُبحـرةً
‏بمهجتي في عُباب الحـق والرّشَـد

‏أدعو لمن علّمتني الحُبّ ما وَهَنَـت
‏حتَّى سرى نبضهُ في قلب مُعتقـدِي

‏أدعو لمن عطّرت شعري ببسمتهـا
‏ومن سنا روحها يعتادنـي مـددي

‏أدعـو لمـن كلّما دَوّنـتُ قافيـةً
‏وجدتُ قُبلَتَها البيضاء فـوق يدي

‏وكان آخر مـا قالتـهُ نظرتُهـا :
‏كُن رَاضِياً بقضـاء الله يـا ولـدي

‏كُن رَاضِياً بقضـاء الله  يـا ولـدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى