المقالات

التميُّز: أن تُنْجِزَ روحَكَ حيثُ يكتفي الآخرونَ بإنجازِ المهام

ليسَ التميّزُ شهادةً تُعلَّقُ في إطارٍ، ولا لقبًا يُزَيَّنُ بهِ السِّجلُّ المهنيّ، بل هوَ ارتقاءٌ بالعملِ إلى فُلكِ الفنِّ، وحفرُ الأثرِ في جبينِ الزمنِ. إنَّهُ الفرقُ بينَ مَنْ يَسْكُنُ الوظيفةَ جسدًا بلا روحٍ، وبينَ مَنْ يُنْزِلُ مِنْ سماءِ إبداعِهِ أمطارًا تُخْضِرُ حولَهُ الصَّحراءَ.

يقولونَ إنَّ النجاحَ غايةٌ، وأنا أقولُ إنَّ التميّزَ رحلةٌ لا تُقاسُ بالمسافاتِ، بل بالانعطافاتِ الداخليّةِ التي تصنعُ منكَ إنسانًا غيرَ مكررٍ. يبدأُ حينَ تُعلنُ تمرُّدَكَ على “العادي”، ويمتدُّ كلَّما أضفتَ إلى مهنتِكَ شيئًا منْ وجدانِكَ. التميّزُ ليسَ محطةً تُبلِّغُكَ إيّاها الخريطةُ، بل بوصلةٌ تُجاهُها القلبُ، وعهدٌ معَ الذاتِ بأنْ تَصْقُلَ المهارةَ حتى تُشرقَ.

لا يُولدُ التميّزُ في مختبراتِ الموهبةِ وحدَها، بل في أفرانِ الشغفِ التي تصهرُ العاديَ ثمينًا. كمْ منْ عبقريٍّ بقيَ حبيسَ “الكفاءةِ” لأنَّهُ افتقدَ لذّةَ الانتماءِ، وكمْ منْ مُتوسِّطِ الموهبةِ حوَّلَ قلبَهُ إلى إزميلٍ فنحتْ بهِ أعمالاً تُشبهُ الأساطيرَ!

التميّزُ لغزٌ لا يُحلُّ إلا بالتفاصيلِ، ففي ثناياها يسكنُ الشَّيطانُ – أوِ الملائكةُ! – كما قالَ مَلِكُ الجمالِ “ستيف جوبز”:

“الفرقُ بينَ النجوميّةِ والعبقريّةِ؟ أنَّ الثانيةَ تُقبِّلُ أعتابَ التفاصيلِ قبلَ أنْ تُوَلِّدَها!”

في زمنٍ يُعيدُ اختراعَ نفسِهِ كلَّ بَزوغِ شمسٍ، يصبحُ التميّزُ ضربًا منَ البطولةِ: أنْ تُحاربَ الجمودَ بسلاحِ المعرفةِ. اقرأْ كما لو أنَّ الكتبَ سُفُنُ نجاةٍ، تدربْ كأنَّ مهاراتِ الغدِ تُختَزَنُ في عضلاتِكَ اليومَ، واسألْ كأنَّ كلَّ سؤالٍ يُضيءُ لكَ طريقًا في ظلمةِ المُسلَّماتِ.

لا تَخدعنَّكَ المقولاتُ عن “البيئةِ المثاليّةِ”، فالعظماءُ وُلِدوا في أحضانِ العواصفِ. المُتميّزونَ لا يبحثونَ عنْ أضواءِ المسرحِ، بلْ يُشعلونَ مصابيحَهمْ منْ زيتِ التحدّياتِ. الفرقُ بينَكَ وبينَ غيرِكَ ليسَ في حجمِ المواردِ، بلْ في عُمْقِ الرؤيةِ التي تحوِّلُ الحصى إلى لآلئَ.

– التميّزُ مغناطيسٌ لا يُرى، لكنَّهُ يَجْذِبُ الفرصَ كما تجذبُ الوردةُ النحلَ. المُتميّزونَ لا يَسْعَوْنَ إلى التطبيلِ، فصَمْتُ إنجازاتِهمْ أبلغُ منْ هتافِ المُرتزقةِ.

كُنْ صاحبَ “رسالةٍ” لا مُجرَّدَ مُوظَّفٍ. اجعلْ منْ عثراتِكَ سلالمَ، ومنْ أخلاقِكَ توقيعًا يختمُ بهِ العملُ وجودَتَهُ.

فالعالمُ لا يَحفظُ أسماءَ العابرينَ، بلْ يَنْقُشُ في سجلِّ الخلودِ أولئكَ الذينَ أهدَوْا لهُ – ولوْ بذرةً – تُزهرُ كلَّ ربيعٍ. فَلْتَكُنْ ممنْ يُوقِّعُونَ على الحياةِ بِحروفٍ منْ نورٍ، لا بِحِبْرٍ يتبخَّرُ معَ أولِ نسيمٍ!.

• الحاصل على جائز ة التميز الوظيفي

أحمد محمد السعدي

مدير إدارة خدمة المجتمع والعمل الطوعي بجامعة شقراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى