المقالات

رحم الله أحمد المنيفي.. ابن الزلفي الذي أحب الباحة فبادلته الوفاء

بالأمس القريب، ترجل عن دنيانا الفانية قامة وطنية وإدارية ناجحة، كانت مثالًا للجد والإخلاص في محطات كثيرة من هذا الوطن الغالي المملكة العربية السعودية.
بدأ الفقيد مسيرته العملية من مسقط رأسه الزلفي، حيث عمل في إمارتها بعد تخرجه في كلية الشريعة عام 1395هـ، ثم انتقل ليعمل وكيلًا لإمارة شقراء عام 1403هـ، قبل أن يُعيّن أميرًا لها مدة عامين، ثم وكيلًا لإمارة الدوادمي لمدة عام واحد، فـ وكيلًا لإمارة خميس مشيط في منطقة عسير.
بعدها تولى منصب أمير محايل عسير عام 1407هـ، ثم أميرًا لظهران الجنوب، فـ أميرًا للنماص حتى عام 1418هـ، ليُعيَّن بعدها وكيلًا لإمارة منطقة الباحة في عهد سمو الأمير محمد بن سعود – رحمه الله –، واستمر في منصبه حتى عهد سمو الأمير الدكتور فيصل بن محمد بن سعود – حفظه الله –، حيث بقي أربعة عشر عامًا حتى إحالته للتقاعد عام 1432هـ.

إنه أحمد بن منيف المنيفي، المعروف بـ أبي سطام وراكان، الذي غيّبه الموت يوم الجمعة الحادي عشر من هذا الشهر – رحمه الله – عن عمر ناهز التاسعة والسبعين عامًا تقريبًا، بعد معاناة مع المرض خلال السنوات الأخيرة، والتي قابلها بصبر واحتساب.
كان – رحمه الله – معروفًا بقوة الإرادة ومقاومة عاتيات الحياة بكل جلد، وحين أنهكه المرض، ظلّ متصالحًا مع نفسه، متفائلًا رغم الألم، وكان على تواصل دائم معي يسأل عن سُبل التعايش مع المرض لا مقاومته، وكان يقول لي دائمًا:

“أنت دائمًا ما تعطيني دروسًا مفيدة، بها أحيا وكأني سليم من الأذى.”

وبالرغم من معاناته الشديدة، ظل كثير الحركة بين الزلفي وجدة ومكة وبعض المدن، حيث يلتقي بأصدقائه وزملائه ومحبيه.

قبل وفاته بشهر تقريبًا، قدّم لي وللأخ مساعد بالرقوش دعوة للقاء به في جدة، فالتقينا بحضور الأخ أحمد ثفيد، وكانت جلسة ممتعة تجاذبنا فيها أطراف الحديث عن الحياة والعمل والمرض والعلاقات الإنسانية.
تحدث كثيرًا عن فترة عمله في منطقة الباحة، وأثنى على سمو الأمير محمد بن سعود والأمير الدكتور فيصل بن محمد بن سعود، كما أثنى على زملائه في الإمارة وعلى أهالي المنطقة وكرمهم المعروف، مؤكدًا أنه يتابع باهتمام مشروعاتها التنموية، خاصة في قطاع السياحة الذي جعل من الباحة وجهة سياحية لأبناء المملكة والخليج، مشيرًا إلى النهضة الكبيرة التي تشهدها المنطقة بفضل متابعة سمو الأمير الدكتور حسام بن سعود ومعاونيه.

قال لي يومها إنه يعتبر الباحة منطقة عزيزة على قلبه، يتابع أخبارها باستمرار، ويتواصل مع أهلها حبًا ووفاءً.

أنا أكتب اليوم عن الفقيد أحمد المنيفي بعد وفاته، ولم أكتب عنه في حياته، لأن ما أكتبه ليس تزلّفًا ولا رياءً، بل وفاءً لرجلٍ جمع بين المهنية والخلق الرفيع، ولم تربطني به مصالح شخصية، بل كان منصفًا ومشجعًا للإعلاميين في المنطقة، يقدّر جهودهم في خدمة التنمية.
وقد قال لي ذات مرة:

“أنت وضعت منطقة الباحة في صدر صفحات أوسع جريدة انتشارًا.”

وكان يشير بذلك إلى جريدة الشرق الأوسط التي عملت بها، حيث نشرت من خلالها صفحات عن منطقة الباحة ومقوماتها الزراعية والجغرافية والاجتماعية والسياحية، بتعاون الزملاء في جدة وعلى رأسهم الأخ ماجد الكناني مدير التحرير في الغربية آنذاك، والزميل كمال إدريس، وغيرهما من الزملاء في التحرير.
وكان المنيفي يتواصل معي كلما قرأ مادة تخص الباحة في الجريدة، فيشكرني ويشجعني على الاستمرار في تسليط الضوء على المنطقة.

رحل المنيفي عن دنيانا في لمح البصر، حيث لا مفر من قضاء الله وقدره.
وفي إحدى المرات، سألته ممازحًا:

“لماذا لا تستقر بأسرتك في الباحة وتبني منزلًا فيها، مثل كثير من المسؤولين الذين يعملون في المنطقة وهم عزّاب؟”
فابتسم وقال:
“صدقت، ولكني لا أملك في جميع المناطق التي عملت بها أي عقار، بما فيها الباحة، لأن نهايتي ستكون بالعودة إلى مسقط رأسي الزلفي، حتى لا يُقال إن اهتمامي بالمكان أكبر من اهتمامي بالعمل.”

انعطاف قلم:

أتذكر أنه سعى – رحمه الله – إلى إيصال التيار الكهربائي لكثير من المباني، بعد أن اقترح في عهد سمو الأمير محمد بن سعود – رحمه الله – وسمو الأمير الدكتور فيصل بن محمد – حفظه الله –، أن يُؤخذ على أصحاب المباني الجديدة تعهدٌ بمواصلة استخراج الاستحكامات الشرعية، فصدر التوجيه بذلك، واستفادت مئات المباني من القرار، ودخل التيار الكهربائي كل مبنى جاهز للسكن.

عبدالله أحمد غريب

نائب رئيس نادي الباحة الأدبي السابق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى