المقالات

نبلاء عصرنا: من هم وما سيرهم؟ ‏

في زحام العصر… أين النبلاء؟
‏‎في زحام الحياة المعاصرة، وضجيج الإعلام السطحي، وتهافت النماذج الزائفة التي تتصدر المشهد، تبرز حاجة ملحة إلى العودة إلى الجواهر الأصيلة: منارات الهدى والنبل التي تضيء الطريق للأمة.
‏‎وفي خزانة تراثنا الإسلامي، يظل كتاب “سير أعلام النبلاء” للإمام الحافظ شمس الدين الذهبي (ت 748 هـ / 1348 م) كنزًا لا يُقدَّر بثمن. ليس مجرد سجل تاريخي، بل معرض حيّ لأرواح عظيمة شكلت حضارتنا بعلمها الواسع، وفضلها العملي، وأثرها البالغ الذي امتد عبر الأجيال.
‏‎امتاز الذهبي بالمنهجية والشمولية: غطّى سير العلماء، الفقهاء، الأمراء، الشعراء، منذ فجر الإسلام حتى القرن الثامن الهجري، معتمدًا مصادر موثوقة، واضعًا معايير دقيقة لانتقاء الشخصيات:
‏‎العلم + الأخلاق + الأثر الحضاري.

‏‎لو عاش الذهبي اليوم… هل كان سيتوقف؟
‏‎هذا السؤال المصيري يطفو على السطح كلما استعرضنا تاريخنا:
لو كان الإمام الذهبي بيننا اليوم، هل كان سيقف عند القرن الثامن الهجري؟ أم كان سيسارع لتوثيق سير الأعلام الذين أضاءوا القرون اللاحقة، وحملوا مشعل النبل حتى عصرنا؟
‏‎الإجابة واضحة: لا!
فالأمة لم تخلُ يومًا من نبلائها، وإن تغيرت الأزمنة والمجالات.

‏‎مسيرة النبل عبر القرون: نماذج خالدة
‏‎لنقف وقفة تأمل أمام بعض هذه الأعلام – على سبيل المثال لا الحصر – من القرن التاسع الهجري إلى اليوم، لنرى كيف امتد النبل في مجالات العلم، الإصلاح، القيادة، الإبداع، والإنسانية:
ومن أمثلتهم :
ابن خلدون (ت 808 هـ) مؤسس علم الاجتماع، “المقدمة” العلم الإنساني
ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) “فتح الباري” شرح صحيح البخاري الحديث والفقه
جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) مؤلف 600 كتاب، موسوعي الإسلام العلم الشامل
محمد بن عبد الوهاب (ت 1206 هـ) تجديد الدعوة، محاربة البدع الإصلاح الديني
الشوكاني (ت 1250 هـ) “نيل الأوطار”، عالم اليمن المجدد الفقه والتفسير
محمد إقبال (ت 1357 هـ) شاعر الإسلام، فيلسوف “تجديد الفكر الديني” الأدب والفكر
الشيخ عبد العزيز بن باز (ت 1420 هـ) مفتي المملكة، مرجع العصر الفتوى والعلم
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (ت 1420 هـ) تحقيق الحديث، “السلسلة الصحيحة” علوم الحديث
الشيخ محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) تفسير القرآن بلغة العامة التفسير والدعوة
علي عزت بيجوفيتش (ت 1424 هـ) قاد البوسنة للحرية، “الإسلام بين الشرق والغرب” القيادة السياسية
أحمد زويل (ت 1437 هـ) جائزة نوبل في الكيمياء، “علم الفيمتو ثانية” العلوم الطبيعية
محمد يونس (معاصر) مؤسس بنك غرامين، نوبل للسلام التنمية والتمويل الأصغر
د. عبدالله عمر نصيف (ت 1447 هـ)مدير جامعة الملك عبدالعزيز وأمين رابطة العالم الإسلامي ونائب رئيس مجلس الشورى سابقًا، كان مدرسة في العلم والقيادة والأخلاق – وكان لي شرف معرفته والتتلمذ على يديه يرحمه الله
هؤلاء ليسوا استثناءً، بل نماذج من آلاف النبلاء الذين أثروا الأمة والإنسانية.

‏‎لماذا نوثّق سيرهم؟
‏‎لأن توثيق السير ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية.
* يحفظ خط الدفاع الحضاري الأول ضد نسيان الذات.
* يقاوم طمس الهوية.
* يمنع الأجيال من البحث عن القدوات في كتب الآخرين.
‏‎“من لا تاريخ له، لا حاضر له ولا مستقبل”.

إن “سير أعلام النبلاء – من القرن التاسع إلى العصر الحديث” مشروع وطني حضاري عملاق، أتمنى على المؤسسات الأكاديمية والإسلامية الرائدة تبنيه ليستكمل مسيرة الذهبي،
ومن هذه المؤسسات :
* الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
* جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
* جامعة أم القرى
* رابطة العالم الإسلامي
* الأكاديمية الإسلامية للعلوم

‏‎وقد نحتاج لتنفيذه الى الآلية من أربعة محاور هي :
1. لجان علمية عليا
تضم مختصين في التاريخ، التراجم، الحديث، الفقه، علم الاجتماع، العلوم الطبيعية، والإعلام.
2. معايير اختيار شفافة
* العلم الراسخ
* الأخلاق العالية
* الأثر الحضاري الممتد
* خدمة الأمة والإنسانية
3. منهجية علمية رصينة
* جمع المادة من مصادر أصلية
* تحقيق النصوص
* نقد بنّاء
* تجنب المبالغات والتحيز
4. موسوعة رقمية تفاعلية عالمية
* موقع إلكتروني + تطبيق جوال
* نصوص، فيديوهات، صور، رسوم بيانية
* ترجمات (عربي، إنجليزي، فرنسي، أردو، مالايو…)
* خاصية البحث الذكي والتفاعل (تعليقات، اقتراحات)

‏‎ختامًا: هل نكتب التاريخ… أم نتركه يكتبنا؟
‏‎هل نترك لأحفادنا إرثًا يفتخرون به، يستمدون منه العزة والقوة؟
أم ندعهم يبحثون عن القدوات في سير أمم أخرى؟
‏‎السؤال موجه إلى:
* المؤسسات
* أصحاب الهمم
* الشباب
‏‎والجواب… يكتبونه بأفعالهم.
‏‎والله من وراء القصد

أ.د. عصام يحيى الفيلالي

أستاذ سابق – جامعة الملك عبدالعزي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى