على مدي اليومين الماضيين تابعت أحداث الزيارة التاريخية الهامة لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية، وشدني بقوة مشهد الاستقبال الأسطوري الذي أعد لسموه في البيت الأبيض، واستقبال الرئيس ترامب الحافل له والذي تجاوز البروتوكولات التي يتبعها عادة في استقباله لزعماء الدول. ما شدني أكثر تلك الثقة الفائقة بالنفس التي يتمتع بها سموه، والتي تمثلت في ثباته وابتسامته التي لم تفارق شفتيه طيلة لقائه بالرئيس ترامب. وشدني أكثر سرعة البديهة وتوارد الأفكار التي تنساب بسهولة ويسر من سموه بنبرة قوية وواضحة، وكلامه المترابط بلغة إنجليزية طليقة. رأيت سموه شامخًا رافع الرأس معتدًا بنفسه يتحدث بشموخ وعزة نفس، بينما كنت ألاحظ أن غالبية القادة والزعماء الذين التقاهم الرئيس ترامب في البيت الأبيض كانوا يظهرون عند اللقاء به مطأطئ الرؤوس تظهر عليهم علامات القلق وعدم الثقة.
وفي طريقة الحوار المتبادل بين سموه والرئيس ترامب لا يمكن للمرء أن لا يلاحظ مظاهر المحبة والاحترام الذي يربط الزعيمين الصديقين. وأضفت النكات التي تبادلها الزعيمين خلال اللقاء بينهما أجواء لطيفة ومرحة شعر بها كافة الحضور خاصة في حفل العشاء الذي أعده الرئيس ترامب في يوم الزيارة الأول والذي ضم العديد من المسؤولين والمشاهير من دول شتى، والذي كان لاعب كرة القدم البرتغالي لاعب النصر رونالدو وزوجته من بينهم، والذي أشار له الرئيس ترامب قائلاً أن ابنه بارون من أشد المعجبين به، وعلق قائلاً :”إن الذي ينجح في إقناع أعظم لاعب كرة في العالم في اللعب في نادي النصر السعودي لا يعجزه أن يقنعننا بأن نبيعه طائرات إف-35″. وكانت النكتة التي أطلقها سمو الأمير محمد حول رهان البعض على أنه سيرتدي بدلة سوداء خلال الزيارة، أشاعت أجواءً من المرح لدى الحضور لأنه جاء إلى الولايات المتحدة بالزي السعودي التقليدي، وهو ما جعل هذا البعض يفقد الرهان على حد قول سموه، لكنه أضاف بدعابة ” ربما أفعل ذلك المرة القادمة”!.
يمكن القول بكل ثقة أن زيارة سموه لواشنطن حققت ما هو أكبر من النجاح، وأنها جاءت محققة لمصلحة البلدين الصديقين بالتساوي، ذلك أن برجماتية سمو الأمير محمد بن سلمان تتضح في إيمانه بمبدأ لكل شيء مقابل، وهو ما اتضح بقوله بصراحته المعهودة، في إشارة إلى رفع الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة من 600 مليون دولار إلى تريليون دولار: “نحن لا نقوم بالاستثمار من أجل إرضاء أمريكا أو ترامب، نحن نرى فرص حقيقة تعود علينا بالفوائد”. وقوله في اتباعه لأسلوب الندية في التعاملات الدولية حول اقتراب احتفال الولايات المتحدة بمرور 250 عامًا على قيامها، إن المملكة العربية السعودية ستحتفل بعد عامين بذكرى مرور 300 عامًا على تأسيسها.
نجحت الزيارة في تحقيق المطالب التي حملها معه سمو ولي العهد وما هو أكثر منها، من أهمها: توقيع الاتفاقية الأمنية “اتفاقية الدفاع الإستراتيجية”- توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي- الحصول على طائرات إف-35- توقيع اتفاقية التكنواوجيا وأكثر منها “النووية المدنية”- رفع مستوى التعاون العسكري إلى مستويات أعلى بتصنيف المملكة رسميًا حليفًا رئيسًا من خارج حلف الناتو- توقيع إطارًا إستراتيجيًا للتعاون في مجال تأمين سلاسل الإمداد المتعلقة باليورانيوم والمعادن والمغانط الدائمة والمعادن الحرجة- دولة فلسطينية هي شرط التطبيع مع إسرائيل.
زيارة سموه لواشنطن بهذه المقاييس وتلك المواصفات تعتبر نفطة تحول فارقة في مسار العلاقات السعودية – الأمريكية لجهة رفع مستوى هذه العلاقات إلى أعلى المستويات التي تحقق مصالح البلدين الصديقين وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.
0






