
في الآونة الأخيرة، تبيّن – بما لا يدع مجالًا للشك – أن نسبة كبيرة من الحسابات المثيرة للجدل على منصة “X” (تويتر سابقًا) لا تنتمي للمجتمع السعودي لا فكرًا ولا انتماء، بل تُدار من خارج الوطن، بأسماء مستعارة وواجهات مزيّفة، ضمن حملات منظمة تستهدف وحدة الوطن ومكتسباته.
والمتابع الحصيف لهذا المشهد يُدرك أن هذا الأمر لم يكن وليد اللحظة. فقد طرحتُ هذا الملف في عدد من المحافل العلمية والإعلامية قبل أكثر من اثني عشر عامًا، من خلال مشاركات أكاديمية، ومقابلات تلفزيونية، وندوات متخصصة، حذّرتُ فيها من استغلال أعداء الوطن لمنصات التواصل الاجتماعي كوسيلة لبث الإشاعات، وتزييف الوعي، وزرع بذور الانقسام الداخلي.
وقد كانت الدولة – حفظها الله – مدركة منذ البداية لخطورة هذا المسار، واختارت التعامل معه بثقة وحكمة، واضعةً رهانها على وعي المواطن، ومرور الزمن، ليكشف بنفسه حجم الزيف، دون الدخول في مواجهات مباشرة قد تمنح هذه الحملات ما لا تستحقه من اهتمام.
واليوم، نرى ما كنا نحذّر منه يتحقق أمامنا؛ إذ بدأت منصات إعلامية دولية – غير تابعة لأي جهة أمنية سعودية – تؤكد أن العديد من تلك الحسابات التي تفتعل القضايا وتشوّه الحقائق، تُدار من خارج حدود الوطن، وتخدم أجندات لا علاقة لها بالواقع السعودي، ولا تُعبّر عن صوت المواطن الحقيقي.
إن ما نحتاج إليه اليوم هو الارتقاء بالمحتوى، والتحلي بالوعي، وعدم الانجرار خلف حملات التهويل أو التصنيف أو التخوين. فالحقيقة لا تحتاج إلى صراخ، والوطن لا يحتاج إلى من يزايد عليه، بل إلى من يفهمه ويخدمه بصدق وإخلاص.
وما تم التنبيه عليه قبل أكثر من 12 عامًا، تؤكده اليوم منصة “X” نفسها، إذ بدأت تُظهر بعض المعايير والمبادرات التي تكشف مصدر الحسابات وأنماط تفاعلها، مما يسهم – ولو جزئيًا – في الحد من محاولات التزييف والتضليل، ويُسقط ورقة التوت عن المتربصين، ويُضعف من حجية ادعاءاتهم.
علينا أن ندرك أن أدوات التقنية قادرة على كشف المصدر والمحتوى، لكنّ الوعي المجتمعي هو الحصن الأهم، والدولة – ولله الحمد – تراهن دومًا على هذا الوعي.





