لم أكن أتخيل أن لحظة مرض أمي ستكون نقطة التحول في حياتي، لا على مستوى المشاعر فقط، بل على مستوى الحياة والموت.
أذكر ذلك الصباح جيدًا. كانت أمي تشكو الالام والاعياء وتجمع المياه في اطرافها وكانت أنفاسها ثقيلة كأنها تهمس لي أن الوقت قد حان لرد الجميل. حملتها بين القلق والدعاء، وقصدت بها المستشفى علّنا نجد علاجًا لما أرهق جسدها الطاهر
وما إن تخطّينا أبواب المستشفى، حتى باغتني الألم… ألم في صدري، حاولت ان أتجاهله كي لأشعرها وهي بين يدي الأطباء لكن الأم امتد إلى ذراعي، ثم إلى كل روحي. لم أدرك تمامًا ما حدث، لكنني كنت أسقط أمام من جئت بها لأسعفها.
وفي لحظة قلبت كل الموازين، نسيت أمي حرارتها، وآلامها، ونبضها المضطرب. صرخت بكل ما تبقى من صوتها:
“ابني أولاً! أنقذوا ابني!”
اجتمع الأطباء على قلبي، لا لأنني مهم، بل لأن أماً مريضة استنجدت بهم لا لأجل نفسها، بل لأجل ابنها الذي انهار بين يديها. تجاهلت أمي أسلاك المغذيات، واجهزة شفط السوائل ، وحتى خوفها على نفسها، وركّزت كل دعائها عليّ.و كأن روحها كانت تعالجني قبل أجهزة الإنعاش. وتقنيات القسطرة وفريق العمليات.
نجوتُ — بفضل الله، ثم بفضل تلك الأم العظيمة التي لم ترَ في المستشفى مكانًا للعلاج بقدر ما رأته ساحةً أخرى تُقاتل فيها من أجلي، كما فعلت دومًا منذ ولادتي.
تلك اللحظة علمتني أن قلب الأم لا يعرف الأولويات المعتادة. فحين يتعلق الأمر بولدها، يسبق نبضه نبضها، وتُقدم حياته على حياتها، حتى وإن كانت تحت وطأة المرض والموت.
أكتب اليوم، وأنا أستعيد أنفاسي، وقدتماثلت وللله الحمد للشفاء وقد تعافت أمي أيضًا، ولكن بقوة. أكتب لأقول:
أمي، لستِ فقط من أنجبتني، بل أنت من أنقذتني من جديد…
ومن يملك أماً مثلك، يملك حياة تُمنح العافية والسعادة والسرور
فحين تضع الأم حياتها على كف الرحمة: تنشأ قصة حبٍ لا يشيخ
بقي ان أتقدم بجزيل الشكر للفريق الطبي والعاملين بالمستشفى ولأخوتي ولأسرتي جميعا ولكل من زارنا وأطمان علينا ولا اراكم الله مكروها.