
في عالم الأعمال المتسارع والمتطور ، حيث يُقاس النجاح غالباً بالأرباح والإنتاجية فقط، لكن هناك آفة تطفو على السطح صامتة تهدد كيان المنظمات والمؤسسات من الداخل ‘وهي البيئة السامة في العمل ‘ هذه البيئة، التي يتسم جوها بالتوتر المزمن، وغياب الثقة، والشعور الدائم بعدم الأمان النفسي، هي ليست مجرد مصدر إزعاج للموظفين؛ بل هي مرض مزمن ينتشر بسرعة كبيره في صحة المنظمات وربحيتها على المدى الطويل.
وهنا يقع على عاتق القادة مسؤولية جسيمة لا يمكن التغاضي عنها : فهم ليسوا فقط جزءاً من المشكلة في كثير من الأحيان، بل هم أيضاً مفتاح الحل.
فهناك مظاهر لهذه البيئة المسمومة تظهر لها علامات يجب أن ينتبه لها القادة التي سوف اسرد أهمها وهي :
1. التواصل السلبي أو المشوه: انتشار الشائعات، النقد الهدام (وليس البناء)، الصراخ، التجاهل، أو إخفاء المعلومات عمداً.
2. الخوف وغياب الأمان النفسي: خوف الموظفين من التحدث بصراحة، طرح الأفكار، الاعتراف بالأخطاء، أو حتى طرح الأسئلة خوفاً من من سرق المجهود أو التهميش .
4. المحسوبية وغياب العدالة: تفضيل موظفين دون سبب موضوعي، معايير متغيرة لتقييم الأداء، ترقيات غير مبررة، أو توزيع غير عادل للمهام والمكافآت.
5. الاستنزاف العاطفي والإرهاق المزمن: ضغط غير واقعي، ساعات عمل طويلة باستمرار دون تقدير، عدم احترام الحدود بين العمل والحياة الشخصية، وثقافة “العمل حتى الموت
6. اللامبالاة والانسحاب العاطفي: فقدان الموظفين للحماس، انخفاض المشاركة، زيادة الغياب، وارتفاع معدل دوران الموظفين (الاستقالات).
فلماذا يجب أن يقلق القادة ؟
لأنه وبكل بساطه لكل فعل ردة فعل فيحدث مايخشاه أي كيان :
– انهيار الإنتاجية والإبداع: التركيز ينصب على البقاء والنميمة وليس على الإنجاز أو الابتكار. الأمان النفسي شرط أساسي للإبداع.
– هدر المواهب والاستقالات الجماعية: أفضل الموظفين هم الأكثر قدرة على المغادرة أولاً. تكاليف التوظيف والتدريب البديل باهظة.
– تدهور السمعة التنظيمية: سمعة البيئة السامة تنتشر بسرعة، مما يصعب جذب الكفاءات الجديدة ويضر بعلاقات العملاء والشركاء.
– التراجع المالي: نتيجة لكل ما سبق: انخفاض الإنتاجية، ارتفاع التكاليف التشغيلية (استبدال موظفين، تكاليف صحية)، وفقدان الفرص التجارية.
– فشل القيادة نفسها: البيئة السامة هي فشل ذريع في القيادة. القائد الذي يقبلها أو يتسبب فيها يفقد شرعيته واحترام فريقه.
فهنا يجب أن نطرح دور القادة الحاسم في معالجة السموم وبناء بيئة صحية مبدعه .
والتي تكمن من خلالها مسؤولية القادة فهُم من يحددون نغمة الثقافة التنظيمية.
1. الاعتراف بالمشكلة والتقييم الصادق :
– لا تتغاضَ عن الشكاوى أو تنكر وجود مشكلة. استمع بفاعلية وبدون دفاعية.
– استخدم استبيانات سرية للموظفين، مجموعات نقاش، أو مقابلات خروج لقياس درجة “السُمية” وفهم جذورها.
– انظر في المرآة: هل سلوكياتك (الصراخ، التفضيل، التواصل غير الواضح) تساهم في المشكلة؟
2. وضع سياسات وسلوكيات واضحة وصارمة :
– صِغ مدونة قواعد سلوك (Code of Conduct) واضحة تحظر التنمر، التحرش، التمييز، والمحسوبية. عرّف العواقب.
– أنشئ قنوات آمنة وسرية للإبلاغ عن المخالفات (Hotline، مسؤول امتثال) مع ضمان الحماية من الانتقام للمبلغين.
– طبق السياسات بصرامة وعدالة على الجميع دون استثناء، بمن فيهم كبار المدراء.
3. بناء الأمان النفسي :
– شجع على طرح الأسئلة، مشاركة الأفكار (حتى الغريبة)، والاعتراف بالأخطاء كفرص للتعلم. اشكر على الصراحة.
– استمع بنشاط وفهم دون مقاطعة أو إصدار أحكام فورية.
– احتضن الاختلاف في الرأي واحترم وجهات النظر المتنوعة.
4. تعزيز التواصل الصحي والشفافية:
– تواصل بانتظام وبوضوح حول أهداف الشركة، التغييرات، والقرارات المهمة. قلل من الغموض.
– قدم تغذية راجعة بناءة تركز على السلوك وليس الشخص، وكن مستعداً لتلقيها أيضاً.
– كن نموذجاً يحتذى به في التواصل الاحترافي والإيجابي.
5. الاعتراف والتقدير والإنصاف :
– اعترف بإنجازات الموظفين وجهودهم علناً وبشكل ذي معنى.
– تأكد من أن أنظمة التقييم والمكافآت والترقيات عادلة وموضوعية وقائمة على الجدارة.
– عالج مشاعر اللامبالاة من خلال إظهار القيمة التي يضيفها كل فرد.
6. الاستثمار في الرفاهية ودعم الموظفين :
– شجع على التوازن بين العمل والحياة الشخصية. احترم أوقات الراحة والإجازات.
– وفر موارد للصحة النفسية (برامج مساعدة الموظفين EAP، تأمين يغطي العلاج النفسي).
– درب المديرين على اكتشاف علامات التوتر والاستنزاف وكيفية دعم فرقهم.
باختصار عميق الأمر يتطلب قائد شجاع يواجهه الحقائق غير المريحة، والتزاماً لا يتزعزع وبناء ثقافة تقوم على الاحترام، الثقة، الإنصاف، والأمان النفسي.
الاستثمار في بيئة عمل صحية ليس مجرد عمل “أخلاقي” بل هو استثمار استراتيجي ذكي في أهم أصول المنظمة وهو أفرادها .
فحيث تزدهر الصحة النفسية والإيجابية، تزدهر الإنتاجية، والإبداع، والولاء، وفي النهاية، تزدهر النتائج النهائية.
أيها القادة، المستقبل الصحي في منظومتكم يبدأ اليوم بقراركم بتفكيك السموم وزرع بذور بيئة عمل إيجابية ومستدامة .






